العناصر الأربعة المتكاملة للشريعة الإسلامية

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 10-ديسمبر-1985 م

إن صرح النظام الإسلامي الذي أرسى قواعده دستوره الخالد ، وهو كتاب الله وسنة رسوله ، لا يتم بناؤه إلا على دعائمه الأربعة المتكاملة . وأن تلك الدعائم إنما هي العناصر التي يجب أن تتوفر في بناء ذلك النظام ، لكي يكون نافذ المفعول وواضح المعالم وقوي الأركان . وأما هذه العناصر الأربعة الرئيسية فهي : العقيدة ، والعبادة ، والأخلاق والمعاملات ، فكل منها يكمل الآخر ، وإذا فقدوا أحد منها أو ضعف ، لا يكون ذلك البناء كاملا ومتماسكا بحيث يحقق الهدف المنشود منه .

تطبيق الشريعة بعناصرها المتكاملة

وبما أن الإسلام نظام عام شامل لجميع مرافق الحياة لبشرية ، يتجلى كما له وتمامه في تطبيق ذلك النظام في جميع مجالات الحياة للمجتمع المسلم ، ولا ينجلي مصداقه الكامل في تطبيق جزء منه في ناحية من نواحي حياة الأفراد والجماعات أو الحكومات . وعندما أعلن القرآن الكريم على الملأ كافو بكل صراحة ووضوح حقيقة الأكمال والإتمام لدينه تعالى ونعمته عليهم قال : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” .

ويؤكد هذا الإعلان أن النظام الإسلامي وحدة متكاملة ومتماسكة ولا يجوز التفريط في جزء منها . وقد ادان القرآن الكريم اليهود لأنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض . ولن يقبل الإسلام من أتباعه دون الالتزام بجميع عناصر النظام الإسلامي من الإيمان والعمل الصالح ، وحسن الأخلاق وصحة المعاملات مع الناس . وجعل القرآن هذه العناصر في مقدمة شعار المؤمنين وصفاتهم اللازمة إذ قال : “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ” .

ضرورة انطباع الإسلام في النفس

إن نفس الإنسان المسلم إذا انطبعت بعقيدة الإسلام الصحيحة وأخلاقه الفاضلة ومعاملاته الإنسانية النبيلة ، ينقاد تلقائيا لتطبيق النظام الإسلامي في شعب حياته كلها ، مع الاستعداد التام لتنفيذ جميع القوانين والضوابط الإسلامية في حركاته وسكناته . وينبغي أن يكون إعداد الأفراد والجماعات ، على هذا النمط من العقيدة والعبادة والسلوك العام ، المهمة الأولى لدعاة تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام كامل ومتكامل في مجتمع إسلامي أو في دولة من دول المسلمين ، بدون تركيز أو تكريس جهودهم في ناحية من نواحي الحياة للأفراد والجماعات ، مثل الحدود والقصاص ، أو الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق وتعدد الزوجات .

وأن صب كل الاهتمام على مثل هذه النواحي من النظام الإسلامي الشامل المتكامل ، يساعد على صرف اهتمام المجتمع عن النواحي الأخرى الرئيسية من ذلك النظام ، وكما أن هذه الحالة لتسرب خصوم الإسلام ، من الداخل والخارج ، إلى صفوف الجماهير أو ضعاف الإيمان أو قليلي الفهم من المبادئ والتعاليم الإسلامية ، لكي يبثوا سموم التشكيك والتمويه ، في دعائم الإسلام وغاياته الكبرى – كما نقرأ ونسمع ليلا ونهارا سرا جهارا من أبواق مثل هؤلاء المغترين والمتربصين – وأن تطبيق الشريعة إنما يهدف قطع اليد ورجم الزاني وجلد الشارب ليس إلا …. وأما بالنسبة إلى الأحوال الشخصية فلا ينبغي التركيز على جواز تعدد الزوجات وأحكام الطلاق والمهور بل يجب تقديم وتوضيح هذه الناحية من نواحي النظام الإسلامي للمجتمع الإسلامي بل للعالم كله ، في إطاره الشامل وبكل المقتضيات والشروط والواجبات اللازم توفرها في مثل هذه الأمور الحية التي تمس الحياة الشخصية للأفراد والجماعات ، ويتخذ منها الآخرون وسيلة أو ذريعة لتصحيح الفهم لنظام الإسلام وتشويه ، كل حسب تياته ومقاصده .

إن الشريعة الإسلامية لا تنفصل معاملاتها عن عقيدتها ولا تنفصل أخلاقها عن عباداتها ، بل إن عناصرا الأربعة وحدة متكاملة ومتماسكة .

ومن حاول فصل ركن منها عن الآخر أو تركيب جزء منها دون آخر ، أو تقليل أهمية عنصر منها في مقابل آخر ، لا يضع النظام الإسلامي في إطاره المتكامل الواسع . وأن تطبيق الإسلام كله في جميع مرافق الحياة ليؤدي حتما إلى النتيجة المرموقة التي يرنو إليها الدعاة المصلحون المخلصون في كل مكان بإذن الله تعالى وبتوفيقه .