الصيام السليم يحقق للإنسان عوامل الوقاية وأسباب القوة

حديث الصيام

الصيام السليم يحقق للإنسان عوامل الوقاية وأسباب القوة وليس الصيام كما يتوهم البعض إرهاقا وإجهادا بل هو شفاء للناس !

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 27-مايو-1986

إن جميع العبادات في الدين الإسلامي قد فرضها الله سبحانه وتعالى لتكون تهضيبا وتزكية للإنسان كما فيها مصالح عديدة للعباد مادية ومعنوية وأخلاقية واجتماعية وفردية ، وصحية ونفسية ولم يفرضها لتكون مجرد طقوس وشعائر يقوم بها المتعبد بلا فقه وفهم ووعي وشعور ، وإنما الصوم الذي فرضه تعالى على المسلمين في شهر رمضان يجمع بين هذه الميزات كلها بوضوح وجلاء واقتناع ، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة وأنه أيضا كان عبادة أصلية قديمة في جميع الشرائع السابقة ولكن في صور شتى كما قال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” ، وخص سبحانه وتعالى شهر رمضان بفريضة الصيام دون سائر الشهور ومفضلة لفضله المتميز حيث أنزل فيه القرآن الكريم من عنده هدى للناس ونورا يهدي إلى سبيل الصلاح والتقوى :”شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه” ..

تسمية هذا الشهر برمضان ؟

قيل إن العرب لما أرادت أن تضع أسماء الشهور وافق أن الشهر المذكور كان في شدة الحر ، ومعناه لغة : شديد الحر ، ويقال : رمض النهار : اشتد حره ، وقيل أيضا : إنه سمى بذلك لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها ، وفي اصطلاح : رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية للصيام المعلوم من الدين بالضرورية مثل الصلاة وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة النبوية .

عوامل الوقاية في الصيام

وجاءت إشارة وجيزة بليغة إلى حكمة الصوم وفوائده وثمراته في ختام أية تشريع الصيام إذ تقول :”لعلكم” فالتقوى والاتقاء والوقاية فكلها يفيد معنى صون الإنسان ووقايته وحفظه وحمايته من الشرور والآثام والعلل والأمراض الظاهرة والباطنة ، المادية والروحية ، وجدير بالذكر أن الوقاية في حقيقتها تعطي للإنسان الصحة والقوة والسلامة والحصانة فكان المعنى الإجمالي لحكمة الصيام وقاية وقوية ، وإذا توافرت للإنسان عوامل وأسباب القوة فقد اكتملت له بواعث التقوى الكامل المؤدي إلى رضوان الله تعالى وجنته التي أعدت للمتقين .

وقد عرف العلماء الصيام بأنه الإمساك عن الطعام والشراب وشهوتي الفرج والبطن يوما كاملا من طلوع الفجر غلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى ، وليس هذا الإمساك كما يتوهم البعض إرهاقا جسمانيا أو إجهادا نفسيا بما فوق الطاقة الإنسان العادي لأن الله عز وجل قد أوجبه على البالغ المكلف شرعا ، والقادر عليه صحيا ، المقيم في موطنه فلا يجب على الصغير الذي يبلغ سن الرشد أو المجنون أو السفيه الذي لا يعي ويعقل ، ولا على المريض الذي لا يقدر عليه حتى يبرأ من مرضه ثم يصوم بعد شفائه ولا على المسافر فيجوز له الإفطار أثناء السفر حتى يعود إلى وطنه ثم يصوم بعد ذلك ما عليه ، فإذن لا عسر في الدين ولا إرهاق في فرائضه ولا إجهاد في عباداته .

علاج وشفاء لأمراض كثيرة

من المعلوم عمليا وعقليا وطبيا أن تقليل الطعام والشراب والاقتصاد فيه هو طريق السلامة والوقاية عن كثير من الأمراض كأمراض السمنة والكبد وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكر وغير ذلك ، والظاهر في مثل هذه الحالات كلها أن الطيب ينصح المريض بالتخفيف من الطعام أو الامتناع عن أنواع دسمة منه وذلك التخفيف عن المعدة والجهاز الهضمى ، ومن الملاحظ جدا أن المعدة هو العضو الوحيد الذي يعمل داخل الجسم طوال العام بلا توقف وبلا راحة فهي تحتاج إلى راحة في بعض الفترات فإذا لم يعطها صاحبها تلك الراحة اختيارا ، أخذتها المعدة بنفسها على الرغم منها اضطراريا فحينئذ تحصل لى صاحبها متابع وأضرار وأوجاع لأنها تستريح عن طريق الأرض ، وإذا أخذت المعدة راحتها بالقوة ، لا باختيار صاحبها ، فإنه يتعب ويكلفه المرض الاضطراري كثيرا من الجهود والمصاريف والتكاليف في علاجه حتى تكون المعدة صاحبة الشكوى إلى حالتها الطبيعية ، ولهذا السر الفطري قد أعطى النظام الإسلامي الإلهي الفطري المتكامل المعدة الإنسانية فترة راحة واستراحة لشهر كامل من كل عام وهو شهر رمضان فتتحقق فيه للإنسان أسباب الصحة والعافية والسلامة والغنيمة من خير كثير .

الصوم يحقق الطمأنينة النفسية

إن الصيام السليم طوال رمضان يعلم الإنسان طريق التغلب على غرائزه وأطماعه وشهواته وبالتالي التحكم في انفعالاته وقلقه النفسي وانزعاجه الذهني ، وإذا تحقق للإنسان الصائم هذا المعنى السامي والخلق الكريم فإنه يكون ذلك نهاية لقلق النفس وآلمها وعصبياتها واضطراباتها الناتجة من الوعكة الصحية أو العلة النفسية ، إن الصيام مع تنظيم كمية الطعام وعدد الوجبات وكذلك تحديد نوعية الطعام ، يعطي الكثير من مرضى القلب والصدر والكبد الراحة في التنفس وعدم الإحساس بصعوبته التي تصاحب بعض الحالات نتيجة امتلاء المعدة وانتفاخ البطن حيث ينتج عن ذلك ارتفاع الحجاب الحاجز مع الضغط على الرئتين مما يسبب صعوبة التنفس خصوما في مرض الانسداد الشعبي الهوائي والنزلات الشعبية ، وهذه حقائق ثابتة من قراءة بحوث ودراسات الأطباء الكبار ومن تجارب شخصية لكثير من المصابين بهذه الأمراض والممارسين لهذا العلاج .

والسر الكامن في قدرة نظام الصيام السليم على التحكم في هذه الحالات وتحقيق الخفة لها إنما هو نظام الإسلام في تناول وجباب الإفطار والسحور في فترات متباعدة وعلى هيئة كميات قليلة ومتكررة بدلا من وجلبة واحدة كبيرة دسمة وكذلك عدم تناول الطعام ثم النوم مباشرة حيث يتخلله الصلوات والعبادات وقيام الليل ، كما شرحنا مثل هذا النظام في الأحاديث السابقة ، وهذا بعض ما يحققه الصيام إذا اعتدل الصائم المؤمن واستقام بدون إفراط ولا تفريط وبلا إسراف وفوضى ويقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم :”إن من السرف أن تأكد كل ما اشتهيته ، فما بال التكالب على موائد الإفطار والسحور بأصناف من الأطعمة والأشربة والحلويات حتى التخمة ثم يتمنى ، طمعا وجشعا لأن يعود بكل ما في الصيام السليم المعتدل من ثمرات وفوائد جمة من علاج للأمراض وشفاء لما في الصدور فليذكر هؤلاء وأولئك :”وما نيل المطالب بالتمنى” .