الثورة الصناعية في الهند

صوت الهند – القاهرة نوفمبر 1970 م

برزت الهند كإحدى الدول الصناعية الثمانية الكبرى في العالم ، والعاشرة بالنسبة لدخل القومي ، وشهدت الهند منذ أن استقلت من الحكم الأجنبي تطورا هاما وتقدما ملموسا في ميدان الإنجازات الصناعية والفنية ، وحققت هذا التحول بفضل الجهود المنظمة وبتنفيذ المشاريع الانمائية التي تستهدف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي .

وفي غضون عشرين عاما حققت الهند ثورة صناعية سواء في ميدان رفع معدل الإنتاج أو توسيع نطاق قائمة المنتجات ، وقد تضاعف الإنتاج في كثير من الصناعات الأساسية والثقيلة ومنها الصناعات الكهربائية والهندسية والكيماوية وكذلك في مجال توليد الكهرباء ووسائل الموصلات والنقل وتكرير البترول وإنتاج الأسمدة ، وتعتبر الآن صناعات الكهرباء والمعادن في مقدمة الصناعات التي تساعد في رفع معدل الدخل القومي .

ومن ناحية أخرى أن هذا التوسع الصناعي قد ساعد على زيادة حجم الصادرات الهندية إلى الخارج ، وكذلك ازدادت الاستثمارات الصناعية في البلاد وتبعها تقدم ملحوظ في ميادين البحوث الصناعية في العالم ، وأدركت البلاد ضرورة النهوض بصناعة المواد الأساسية للتقدم الصناعي مصل الكهرباء والبترول ووسائل النقل ، والبحث العلمي فوجهت عناية خاصة بتوفير هذه المتطلبات الأولية للنهضة الصناعية .

وأحرز إنتاج الطاقة الكهربائية زيادة ملحوظة منذ الاستقلال حيث ارتفعت السعة الكهربائية إلى خمسة أضعاف أي من 3 ، 3 مليون كيلوات إلى 5 ، 14 مليون كيلوات خلال العشرين سنة الأخيرة ويجري الآن تنفيذ مشروعات أخرى لمضاعفة هذه السعة الكهربائية خلال العامين القادمين .

صناعة البترول :

وكانت صناعة البترول لم تتجاوز الأولى وقت الاستقلال ، فلم تلبث الهند أن تضع موضع التنفيذ عدة برامج عاجلة لتطوير هذه الصناعة وبدأت أعمال البحث والتنقيب عن البترول في مناطق عديدة مثل كجرات وآسام وبنجاب ومدراس وكيرالا وأوتربرديش ، وجزر “اندامان” وبلغ الآن معدل إنتاج البترول الخام حوالي 6 ملايين طن بمقابل 250000 طن في عام 1250 ومن المتوقع أن يرتفع معدل إنتاجه لغاية عام 1971 إلى 5 ، 9 مليون طن، ويكفي هذا المعدل لمواجهة 45% من احتياجات الهند من البترول ، وتجري الآن أعمال البحث والتنقيب عن البترول في خليج كامباي بساحل بحر العرب ، وكذلك تشترك الهند في أعمال البحث والتنقيب في الخليج (العربي) بالتعاون مع شركات البترول الأجنبية ، وأقيمت سلسلة من معامل التكرير في القطاع العام ومنها معامل “جاوهاتي” “باسام” و “باروني” في “بيهاروكوبالي” في “كجرات ، وكوتشين” في “كيرالا” وبدأ العمل في معمل تكرير البترول المقام في منطقة مالي بمدراس في سبتمبر من العام الماضي ، وأما معمل التكرير الذي أقيم في منطقة “هالديا” فيبدأ العمل في المعامل الثلاثة الأخرى التي أقامها القطاع الخاص ، ويكون في مقدور هذه المعامل ، مع أواخر هذا العام أن تقوم بتكرير حوالي 23 مليون طن من البترول سنويا بمقابل قدرتها الحالية لتكرير 16 مليون طن فقط ، وهذا التقدم المطرد يصل بالبلاد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من البترول ، وإلى جانب هذا التقدم الذي حدث في ميدان التنقيب والتكرير ، حصل تحسن مرموق في منتجات البترول مثل زيوت التشحيم ، والغاز ووقود الطائرات وما إلى ذلك ، وكذلك تعمل البلاد من أجل تحسين مستويات الخبرات الفنية والمهنية في شؤون البترول ومنتجاته .

المواصلات والنقل :

وأدركت الهند أهمية وسائل النقل والمواصلات للنهضة الصناعية مع جميع فروعها ومن هنا أخذت على عاتقها مهمة الإسراع بتحسين حالة المواصلات المتنوعة في طول البلاد وعرضها ، فبلغ مجموع طول خطوط السكاك الحديدية في عام 1968 ، 59،50069 كيلو متر بعد أن كان 55،000 كيلو متر فقط في عام 1950 – 51 .

الأبحاث العلمية :

وكان التقدم الذي أحرزته الهند في مجال الأبحاث العلمية والتكنولوجية من العوامل الرئيسية التي ساعدت على تحقيق نهضة سريعة في الصناعات الدقيقة مثل صناعة المحركات النفاثة والأجهزة اللازمة لتوليد الطاقة الذرية والمعدات الالكترونية والأجهزة اللاسلكية والتليفزيونية ، واستطاع المجلس الهندي للأبحاث العلمية والصناعية ، خلال فترة وجيزة إقامة أكثر من ثلاثين معملا ومعهدا للأبحاث العلمية والتكنولوجية ويقوم الآن أكثر من ثلاثة آلاف عالم بالبحوث العلمية الحديثة في مختلف المستويات والمراحل وفي مقدمة الميادين التي أخرزت فيها الهند تقدما ومرموقا في السنين الأخيرة ميدان الطاقة الذرية وتقف الهند اليوم في صفوف الدول الخمس الأولى التي أحرزت تقدما كبيرا في مضمار البحوث الذرية ، وأما مركز بومباي فيعمل الآن على درجة عالية من الاكتفاء الذاتي في جميع متطلباته بينما تقوم المعامل الذرية الثلاث “ابسارا” و “بسيرس” و”زيرلينا” بالأبحاث والإنتاج ، ومما لا شك فيه أن مراكز الأبحاث الذرية لها دور كبير في مجال النمو الصناعي الزراعي في البلاد ، وكانت محطة الطاقة الذرية التي أقيمت في “تارابور” بطاقة 380 ميلو وات تعد الأولى في سلسلة المحطات المماثلة التي ستقام في كل من “رانابراتاب ساجار” في “راجستان” بطاقة 400 ميلو وات ، و”كالباكام في مدارس” بطاقة 200 ميلووات .

صناعة الصلب :

وأما في مجال صناعة الصلب فإن ثلاثة مصانع في القطاع العام بدأت إنتاجها والمتوقع أن يبدأ المصنع الرابع في الإنتاج عما قريب ، وإلى جانب هذه المصانع أقيم مصنعان آخران في القطاع الخاص فبلغ مجموع إنتاج سبائك الصلب أكثر من 655 مليون طن سنويا بعد أن كان أقل من مليون طن سنويا وبفضل هذا التقدم المطرد استطاعت الهند أن تنتج كميات كبيرة من مختلف أنواع المواد الإنشائية ومعدات السكك الحديدية من القضبان الصلب والفلنكات وغيرها ، وتستطيع الآن أن تقدم للمصانع والمنشآت ما يقرب من 7 ملايين طن من الصلب المصنع وكذلك أصبحت قادرة على أن تصدر ما قيمته 745 مليون روبية من منتجات الحديد والصلب في عام 1969-68 .

وتعد اليابان في مقدمة الدول المستوردة للحديد الخام من الهند بينما تصدر الهند أنواعا من منتجات الحديد إلى الاتحاد السوفييتي وتايلاند وإيران والعراق والمملكة العربية السعودية وهونج كونج وسيلان وبلغاريا وكمبوديا واندونيسيا وإلى جانب الازدياد الملحوظ في صناعة الصلب ارتفع أيضا معدل الإنتاج من المعادن الأخرى ، وعلى سبيل المثال وصل حجم منتجات الأولومنيوم حوالي 120 مليون طن .

الصناعات الهنسية الثقيلة :

ومن المعروف أن تطوير الصناعات الثقيلة سواء في مجال الآلات والمعدات الصناعية ، ومن هنا اتخذت الهند إجراءات لازمة لتخطيط وتنفيذ مشروعات عديدة للنهوض بصناعة الآلات الثقيلة والمعدات الهندسية وكذلك في ميدان التعدين والتنقيب عن الثروات المعدنية المختلفة ، ويقوم القطاع العام أيضا بإنتاج المعدات الهندسية الثقيلة اللازمة لتطوير الصناعات الخفيفة والمتوسطة ، إن المنشآت الهندسية التي تعمل في منطقة “رانجي” تنتج المعدات الهندسية اللازمة لمصانع الآلات الثقيلة والمواد البنائية وافران الصهر .

وبلغ حجم الإنتاج من الآلات والأجهزة المعدمية 85000 طن في عام 1967 – 69 بينما بلغ حجن إنتاج المناجم 50000 طن وأكثر من 25000طن من المواد اللازمة لصناعة قطع الغيار للآلات الرافعة .

وتقف الهند اليوم في مصاف الدول الرئيسية في إنتاج الآلات والمعدات الثقيلة ، وتتنوع المنتجات الهندية الآن فمن الصناعات الخفيفة مثل المخاريط العادية إلى الصناعات الثقيلة من الآلات والمعدات الضخمة مثل آلات التنقيب والحفر ومصانع الحديد والصلب وغيرها وهكذا وصل معدل الإنتاج من الآلات الثقيلة في القطاع العام إلى ما يساوي 250 مليون روبية وذلك في عام 1968 – 1969 وسوف يرتفع هذا الرقم إلى 650 مليون روبية في عام 1973-74 ، وقد قدر حجم الصادرات الهندية من الآلات الثقيلة بحوالي 157 مليون روبية في عام 1968-1969 وفي مقدمة الدول المستوردة منها المملكة المتحدة ، هولاندا ، كندا ، استراليا الولايات المتحدة الأمريكية ، جمهورية المانيا الفيدالية ، سيلان وإيران .

المنتجات الكيماوية وملحقاتها :

وأحرزت الصناعة الكيماوية تقدما ملحوظا في البلاد بعد الاستقلال ، وتتجلى ملامح هذا التقدم في شتى القطاعات الصناعية سواء في ميدان الكيماويات الأساسية والطبية والصيدلية ومواد الصباغة واللصق والتركيب والضماد ، وقد أصبح في مقدور الهند الآن أن تغطي كاملا احتياج البلاد الداخلي من هذه المنتجات ثم تصديرها إلى الأسواق الخارجية ، وفي ميدان إنتاج الكيماويات الثقيلة ومنتجات الفوسفات والسماد والنتروجينات أيضا حققت الهند تقدما ملموسا ، وفي عام 1967-1969 بلغ حجم صناعة النتروجينات وحدها 4000و02و1 طن ، وأما إنتاج الفوسفات فبلغ حجمه 220000 طن ، وفي مجال إنتاج الحامض الكبريتيكي قد شهدت الهند تطورا هاما في السنوات الأخيرة فبقدر الحجم الحالي لإنتاج الحامض بحوالي 19000 طن ووصلت الهند إلى درجة الاكتفاء الذاتي في إنتاج القلويات حيث تقدر حجم القلويات الثقيلة والخفيفة بنحو 390000 طن بينما سجل إنتاج الصودا الكاوية تقدما كبيرا إذ ارتفع معدل إنتاجه من 000و101 طن في عام 1961 إلى 314000 طن في عام 1968 ، وكذلك سجلت الهند تقدما هائلا في مجال إنتاج المواد الكيماوية الخفيفة مثل مسحوق البياض والكربونات ، والكلور السائل ، والاكسجين والهيدروجين وغيرها من الغازات السائلة ، وكذلك في إنتاج الأدوية والصيدليات والمواد الطبية .

الصناعات التقليدية :

على الرغم من الإنجازات الهائلة التي حققتها الهند في الميدان الصناعي غير التقليدي قد احتفظت بمكانتها المعروفة في الصناعات التقليدية مثل القطن والجوت والشاي والبن و”كوبر” “الياف الجوز الهندي” والبهارات وزيوت النباتات وغيرها ، وتقف الهند في المرتبة الأولى في إنتاج الشاي في العالم وفي المرتبة الثانية في التبغ وفي المرتبة الثالثة في صناعة المنسوجات القطنية وفي المرتبة الرابعة في إنتاج السكر وفي المرتبة السادسة في الحديد الخام .

وبلغ حجم الغزل في صناعة المنسوجات القطنية حوالي 17025مليون ، وأما معدل الإنتاج السنوي من الأقمشة والمنسوجات فيصل 920 مليون كيلوجرام 4200 مليون متر في قطاع المصانع ، ولو أنها تقف في المرتبة الثالثة في مجال صناعة المنسوجات القطنية في العام فإذا أخذنا في الاعتبار مجموع إنتاجها في قطاع المصانع وقطاع النسيج اليدوي لوجدناها في المرتبة الثانية بين الدول المصدرة للمنسوجات القطنية في العالم .

وتعد الهند في مقدمة الدول في إنتاج الجوت حيث بلغ الحجم السنوي منه حوالي 1016 مليون طن وكذلك تنتج مختلف الأشكال والأنواع التي تتطلبها احتياجات أسواق العالم من هذه السلع ومن منتجات الجوت الهندية المشهورة الزكائب والأكياس والحبال والدوبارة وغيرها من المنتجات ، ومازالت الهند تحتفظ بمكانتها الأولى في إنتاج وتصدير الشاي وكذلك البن الهندي في أسواق العالم ، وفي ميدان إنتاج وتصدير الفلفل والزنجبيل والجبهان وغيرها من التوابل تعد الهند الأولى بين دول العالم ، وجدير بالذكر أن الهند تسير قدما في تحسين موقفها في مجال صناعة الأطعمة البحرية وكذلك منتجات “الكاشو” وزيوت النباتات والياف الجوز الهندي ، وهكذا تسير الهند في طريق ثورة صناعية شاملة – في اختيار أحدث الأساليب في الإنتاج وأحسن الوسائل في استخدام الثروات الطبيعية – حتى تتبوا المكانة التي تتمناها ، وهي أيضا على استعداد كامل للمساهمة بكل ما أوتيت من تجارب وخبرات وتقدم في هذه الميادين ، مع جميع الدول في العالم مستهدفة أن تكون هذه المشاركة لبنة أخرى في تشييد صرح التعاون العالمي الذي يؤدي إلى مزيد من الرخاء والرفاهية للجنس البشري .