الإسلام لا يضمر كراهية لليهودية ولكن يدين الصهيونية والعنصرية

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 3-يوليو-1986 م

(دراسة وتحقيق)

إذا كان الباحث التاريخي المنصف الواعي ينظر إلى تاريخ مشكلة فلسطين المعاصرة ، يجد أن جذورها تمتد إلى القرن السابع الميلادي حين ترك العرب المسلمون هذا البلد مفتوحا لهجرة اليهود واستقرارهم فيه ، وحين وجد اليهود الذين كانوا يطاردون ويتشردون في كل مكان ، الملجأ والأمن في ظل سماحة الإسلام ، الذي لا يضمر كراهية لليهودية كدين ولا لليهود كأتباعه ، فكان طبيعيا أن يعيشوا بين العرب والمسلمين في سلام ووئام ، ولم يبتدئ أي تغيير واضح في هذه العلاقة إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، ولم تكن الهجرة اليهودية إلى فلسطين في نظر العرب المسلمين طوال عدة قرون ، إلا مجرد حركات دينية ، ولقد شهدت فلسطين خلال القرون الأولى لحكم العرب رخاء عظيما ، وقد استحضر الفلاحون العرب الفلسطينيون بذور الفواكه والمزروعات الأخرى إليها وجعلوها بلدا خصبا غنيا .

بداية المشكلة الفلسطينية

ن الأقلية اليهودية في فلسطين ، طوال تلك العصور التي سبقت قيام الحركة الصهيونية العالمية السياسية لم تستقر في فلسطين فكثيرا ما كانت تنشط للهجرة منها إلى مناطق أخرى حينما تجد الظروف في البلد الذي هاجرت منه إليها في مختلف العصور ، وفي منتصف القرن التاسع عشر ، كتب المفكر اليهودي “حشاد ها آم” تقريرا ، بعد رحلة طاف بها فلسطين ، فقال :” إن من العسير أن نجد أرضا صالحة للزراعة غير مزروعة في فلسطين” ، كما كتب “أزدريلون” عن الزراعة والفواكه في فلسطين نجده على أرفع مستوى من الإنتاج الزراعي الخصب” ، وقد وجدت الصهيونية العالمية السياسية هذه الميزة الزراعية أيضا وسيلة ، أخرى إلى جانب العواطف الدينية ، لإقناع يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين لتنفيذ خطتها الماكرة للاستيلاء على أرضها ، ولإقامة دولة صهيونية عنصرية في فلسطين والمناطق المحيطة بها ، وقد وضعت الصهيونية العالمية جميع الإمكانيات اليهودية في العالم ، من قوى بشرية ومالية” وعقلية ودعائية في خدمة أغراض الاستعمار العالمي بمقابل تأييده في إقامة دولتها المقترحة ، في فلسطين ، وتحت تأثير بالغ بدأ الاستعمار الغربي يتوطأ مع الصهيونية السياسية العالمية ضد العرب والمسلمين ، فصارت قوة فعالة مؤثرة بذاتها ، كما أصبحت خطرا دائما للعالم العربي والإسلامي .

وفي مقدمة الوسائل التي اتخذتها الصهيونية العالمية لتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين خصوبة أراضيها المزروعة ورخاء تربتها إلى جانب سماحة العرب المسلمين تجاه اليهود المقيمين في فلسطين منذ العصور القديمة لمدة ثلاثة عشر قرنا ، وأن الإسلام يعترف ويحترم جميع المقدسات للأديان الأخرى وكانت المقدسات الدينية لليهود والنصارى ظلت على حالها لم تصب بسوء في الحكم الإسلامي الطويل ، بل وقد حافظ المسلمون على أكبر مقبرة قديمة لليهود واقعة في سفح جبل الزيتون وزرعوها بالأشجار ، رغم كونها من الأوقاف الإسلامية ، والذي يدرس تاريخ الآثار الدينية في القدس يعلم يقينا أن المقدسات اليهودية والمسيحية لم تصب بسوء طوال الحكم الذي امتد أكثر من ثلاثة عشر قرنا في فلسطين .

حقيقة إسرائيل

إن كيان إسرائيل من حيث هي عبارة عن تجمع عنصري اغتصب جزء من أراضي العرب ، وطرد أهاليها ظلما وعنفا ، فاستخدمت القوى الاستعمارية هذا التجمع في العدوان على حقوق الشعوب الحرة ، ورتبت تلك القوى مصالحها على وجود هذا التجمع ودعمه ، وكان هذا التجمع العنصري هو العنصر الأول والأساسي في المشكلة ، وكان تحرير هذه البقعة منه والقضاء عليه تحريرا حقيقيا هو العلاج الناجح في حل مشكلة فلسطين ، ولن تستقر الأمور للأمة العربية والإسلامية مادام لهذا العنصر الأصلي الغريب وجود في قلبها كخنجر نافذ في صدرها ، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى ، وأن العنصرية البغيضة تلعب دورا هاما في تعقيد هذه المشكلة ، والعامل الإنساني له دور هام أيضا في المشكلة نفسها فإن هذا العامل يتجسد في مأساة شعب بأسره ، لأن شعب قد طرد من وطنه واقتطعت أراضيها واغتصبت ثروته ، وهذا الشعب يتعرض منذ قيام كيان إسرائيل لعمليات الإبادة الشاملة من الوجود وهذه مأساة توجب على الضمير العالمي الإنساني كله أن يستيقظ على مرارتها ، وأن تقف الإنسانية كلها إلى جانب الحق وضد الظلم الصارخ ، وأن محو شعب فلسطيني عربي من وجوده والقضاء على كيانه في وطنه يمس مستقبل الأمة العربية كلها ، إذا لم تقم بدور إيجابي وعمل حازم لاستئصال جرثومة هذه العنصرية التي تنخرجسم العالم العربي كله ، نظرا لخطورة عنصرية الصهيونية السياسية العالمية القائمة على سياسة التوسع بالقمع والإرهاب وإهدار الحقوق الإنسانية والأخلاق العامة التي تأخذ بها الأعراف الدولية والقوانين التي تعترف بها حتى قوى الاستعمار والاستعباد والاضطهاد في أسوء صورها واعتنى مواقفها الهمجية ! .

الخطر الحضاري والثقافي

إن إسرائيل بصفة كونها دولة عنصرية ذات أهداف دينية وحضارية واقتصادية وسياسية فإنما خطر ملموس على الوجه الحقيقي للأماكن المقدسة لمئات الملايين من العرب المسلمين والمسيحيين في هذه المنطقة لأن إسرائيل تريد القضاء على الوجه الحقيقي للمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها ، وتغيير معالمها بالهدم والتدمير لكي يضع العالم بمرور الزمن ، أمام الأمر الواقع .

ومن ناحية أخرى تقوم رؤوس مفكرة من الصهيونية العالمية بمهمة تزييف تاريخ الأمم الأخرى في هذه المنطقة ، حتى يشوه التاريخ الحقيقي ، ويدعي اليهود لأنفسهم الأولوية في الاستيلاء عن هذه الأماكن .

وأما الضغط الاقتصادي الإسرائيلي يمتص كثيرا من الطاقات العربية الفكرية والذهنية كما أنه يعرقل تقدم هذه البلدان ونموها وهكذا صارت إسرائيل عاملا فعالا لتبديد طاقات وإمكانيات الدول العربية والإسلامية في الأعداد لمواجهة العدوان المتربص بها كل حين إلى جانب مواجهة خطر الهجرة المتزايدة إلى إسرائيل وإلى الأراضي العربية المحتلة المجاورة لفلسطين وإقامة مستوطنات ومستعمرات يهودية عنصرية جديدة وأن هذا الخطر يستفحل اكثر فأكثر بسبب الهجرة اليهودية إلى فلسطين لأن سكانها العرب يطردون ويشردون وسكانها اليهود الأجانب يتزايدون فلا بد أن تشعر إسرائيل ، على مر الأيام أن الرقعة ضيقة ، والموارد محدودة فتفكر في التوسع ، وكيف يتوفر لها هذا التوسع إلا على حساب الدول العربية المجاورة لها ؟ فسيظل الشرق العربي دائما عرضة للخطر المنتظر المفاجئ .

الإسلام يعترف ويحترم جميع الأديان السماوية

بينما يعترف الإسلام ويحترم بكل قوة وصراحة بجميع المقدسات للأديان السماوية الأخرى ، تنكر إسرائيل إنكارا تاما رسالة السيد المسيح عليه السلام ، وتصفه بصفات تزكم أنوف المسيحيين والمسلمين ، زورا وبهتانا ، وكذلك تشن حملة شعواء ظالمة على أمه الصديقة العذراء مريم البتول ، التي أنزل الله سبحانه وتعالى سورة باسمها في القرآن الكريم وفضلها على نساء العالمين .

وأما بالنسبة إلى رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فتنكرها إنكارا كليا وبالتالي لا تقر اليهود ودولتهم إسرائيل بقدسية الأماكن التي تتصل بالإسلام والمسيحية بل وتسعى جاهدة للقضاء على الأماكنة المقدسة التي أقامها المسيحيون والمسلمون خلال ألفي سنة في مدينة القدس ، وتريد إسرائيل أن تجعلها عاصمة دينية وسياسية لها ، وهي في الواقع متحف ذاخر بالمساجد والمدارس والمقبر الإسلامية وكذلك حافل بالآثار المسيحية ذات الأهمية ، وليس فيها من آثار اليهودية شيء يذكر إلا ما يظن أنه جزء صغير جدا من سور القدس القديم المسمى “بحائط المبكي” يوم كان هيكل سليمان فيها ، ولكن عفى أثره كله يعد أن طال الحكم الروماني والإسلامي عليها لعدة قرون ولا تدعي إسرائيل ، في واقع الأمر الملموس المحسوس لنفسها الحق في القدس إلا للقضاء على الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية ، اللتين لا تعترف إسرائيل بنبيهما ، وتنكرهما إنكارا تاما وتعتبر القضاء عليهما هدفا منشودا من وراء الحركة الصهيونية التي تجسدت في قيامها ، وهذه هي بعض الحقائق التاريخية ومظاهر الخطر المباشر ، من جراء إسرائيل للعالم العربي والإسلامي ، بصرف النظر عن العوامل التي يهدف بها الاستعمار لتثبيت أقدام هذه العصابة في الشرق العربي .

وأن الأمة العربية والإسلامية ما زالت تملك على الرغم من عوامل الضعف الكثيرة التي يشكو منها اليوم العرب والمسلمون بسبب النفوذ الاستعماري العالمي ونفوذ الصهيونية العالمية تملك من عوامل القوة الكامنة ما يمكنهم إذا ما عملوا جادين متحدين مخلصين من الوقوف أمام هذا الخطر المحدق بهم والقضاء عليه بناء مستقبلهم أعزة آمنين بإذنه تعالى .