الإسلام ارتفاع بأتباعه فوق الاعتبارات العنصرية والإقليمية والقومية

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 1-يناير-1986 م

جاء الإسلام لتحقيق المساواة والعدالة والأخوة بين الناس ، دون النظر إلى الأجناس أو القبائل أو الأقاليم أو اللغات والعادات . وخاطب الإنسنية كلها بأنها من أصل واحد ومن أب واحد وأم واحدة وأن أصل الأديان كلها واحد ومصدرها واحد فيقول دستور الإسلام هو القرآن الكريم : “شرع لكم من الدين ما وصى به نور والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب” . وتدل هذه الآية الكريمة على أن الإسلام دين الأنبياء والرسل جميعا وأنه يحمل دعوة عالمية للإنسانية كلها لأنه من عند الله تعالى خالق الكون ورب العالمين . وأما شريعة الإسلام في جميع مرافق الحياة البشرية إنسانية جامعة ، بدون أي تعصب ضد جنس أو لون أو إقليم وأعلى هذا العمومية والشمولية بكل صراحة ووضوح إذ قال القرآن الحكيم : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفووا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” . ثم قال : “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم” .

ميزان العدل مع أصحاب الديانات كلها

لقد وضع الإسلام في جميع أحكامه وقوانين شريعته ميزان العدل والقسطاس المستقيم ، مع أصحاب الديانات والأجناس واللغات المختلفة فأعلى دستوره الخالد : “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ” . وقد جاء الإسلام ليخاطب البشرية جمعاء . “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” . كما نقرأ في أول القرآن ، ونكرره ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ،”الحمد لله رب العالمين” فهو نظام إلهي عالمي فوق كل الحدود والفوارق والاعتبارات الوهمية التي تتخطى الاعتبار الإنساني المحض وهو الدين القيم الي اختاره خالق الكون لكافة الثقلين ، من الجن والإنس وقال : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” .

العبودية والألوهية لله وحده

ويهدف الإنسان أول ما يهدف إلى تحقيق الحق الثابت الفطري في كل الكائنات وهو الانقياد التام والإسلام الكامل لله الواحد الأحد ، الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما ما ظهر منه وما بطن ، وإنما يتحقق هذا الهدف في حياة الإنسان حينما يسلم وجهه لله تعالى ويفتخر بعبوديته له وبألوهيته وربوبيته ولا يدع مجالا في نبضات قلبه لأي مخلوق لكي يشركه في تلك الصفات الخاصة بذات الخالق الباري تعالى .

وإذا نظرنا إلى أسباب تكاثر الصراعات والحروب بين الأمم في العصر الحديث ، نرى أن العبد عن المفهوم الصحيح لعبادة الله واتباع الأهواء والآراء والخرافات في مجال العبادات والمعاملات ويجب أن يكون مفهوما أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل دينه في ذلك اليوم الذي نزلت في آية إعلان كال الدين وتمام النعمة على خلقه إذ قال :” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم تعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” .وأن هذا الكمال هو إتمام نزول الفرائض والواجبات والحدود والأحكام والحلال والحرام وبذلك أتم الله نعمته على خلقه ورضي الإسلام دينا ، وقد دخل في المجتمع الإسلامي بعض المفاهيم الخاطئة عن إخلاص العبادة لله تعالى ومنها البحث عن علل العبادات والمصالح المترتبة عليها في حياة الإنسان وأما العبادة طاعة الله تعالى وإسلام وجهه له خالصا لنيل رضائه وتنفيذ الأوامر ، ومنها أيضا افتقار الافتخار بعبوديته لخالقه ، والاستكبار أحيانا عن إظهار العبادات والتمسك بالقيم الإسلامية مجاراة أو مداهنة لأصحاب الهوى ومتع الدنيا ، وهكذا تسرب مركب النقص إلى أذهان المسلمين ، حتى سهل على الاستعمار الغربي والاستشراق والصهيونية إضعاف العقيدة الإسلامية بين أتباعه ، وبالتالي السيطرة على مقدراتهم وابتلاع طاقاتهم والاستيلاء على عقولهم إما بالتهجير إلى ديارهم أو التغريب أو التفليس في ديارهم .

وكا قضى الإسلام على الوثنية بجميع أنواعها ودعا إلى إخلاص العبادة لله بكل جوانبها ، دعا إلى رفض التفرقة الإنسانية بكل أنواعها وأعلن : ” كلكم من آدم وآدم من تراب ” فهذه هي الدعوة التي وجهها وبلغها رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان ، إلى كافة الناس ، قبل أن يحلم بها المتشدقون بحقوق الإنسان والحقوق المدنية ومحاربة العنصرية وغيرها من الشعارات التي يتفهون بألسنتهم مكرا وخداعا لإخفاء ما يضمره أعداء الإنسانية من أهداف استعمارية واستغلالية لهضم الأمم والشعوب المستضعفون بقوة السلام حينا وبقوة الخداع آخر .