إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 25-يناير-1986 م

إن العالم العربي اليوم بمثابة القلب النابض للعالم الإسلامي الكبير ، لمركزه الروحي كمهد الإسلام ومعقله ، ومشهد اجتماع الحج السنوي الذي يشترك فيه أبناء الإسلام من كل فج عميق ، بحيث لا مثيل له في العالم ، ويتجه إليه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها روحيا ودينيا ويدينون بحبه وولائه وأنهم ينظرون إلى العالم العربي بغير العين التي ينظر إليه غيرهم من الشعوب الغربية أو الشرقية لأن هذا العالم ، بعد البعثة المحمدية قد أصبح مشرق نور الهدى مبعث رسالة الأمن والسلام ورائد العلم والحكمة ومشغل الثقافة والحضارة ووضع القيادة الصحيحة للإنسانية كلها بفضل الرسول العربي وخاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

وإلى جانب هذه المكانة الروحية التي يحتلها العالم العربي في قلوب المسلمين جميعا ، فله أهمية كبيرة في خريطة العالم السياسية لأنه موطن أمم لعبت دورا عظيما بمنابع ثرواته ومصادر طاقاته ففيه أيضا عقول مفكرة وأياد عاملة وأسواق تجارية عالمية وأرض خصبة واسعة وأنهار جارية وآبار البترول الغريزة ومشتقاته التي هي عصب الصناعة التقدم الحضاري في عالمنا الحاضر . وكل هذا وذاك قد جعل العالم العربي أهلا لمركز القيادة من حيث القوة الروحية والمادية والاستراتيجية العالمية اليوم وبالتالي مركز الريادة للعالم الإسلامي وتقدم المجتمع الإسلامي كله .

موطن قوة العرب والمسلمين

ولا بد أن يستعاد إلى الأذهان في هذه المناسبة ، أن البعثة المحمدية التي جاءت لإرساء قواعد العقيدة الواحدة والإيمان العميق والصلة الروحية القوية والمساواة الإنسانية والأخوة الفكرية لهي التي هيأت للعرب القيادة العالمية وأخرجتهم من حيز الحياة القبلية ومن ضيق الحدود الجغرافية إلى عالم جديد واسع من السيادة الروحية والخلقية والعلمية والسياسية والاقتصادية والحضارية . وقد أكرم الله تعالى ، خالق البشر والقوي ، العرب بهذه الميزة التي لم تجتمع لأمة أخرى في تاريخ البشرية ، بفضل تمسكهم برسالة الإسلام واتخاذهم الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قدوة لهم في شؤونهم كلها ، فأحبهم الناس في كل مكان ، وكانت لغتهم لغة العلوم والمعارف في العالم المتحضر كله وصار حضارتهم الحضارة المثلى على وجه الأرض كلها ، وقد ظلت الأمم المفتوحة بقيادة العرب تعتبرهم منقذيها من الضلال والانحطاط والتخلف .

وكان الدافع الحقيقي لجميع أنواع التحديات المعاصرة – العقدية والفكرية والثقافية – التي يواجهها العالم العربي والإسلامي من جانب المستشرقين والمبشرين والمستعمرين والصهاينة وغيرها من جهات أخرى وخفية ، هو – أولا وقبل كل شيئ – صرف العرب عن طريق القيادة للعالم الإسلامي الكبير وتوحيد صفوف المسلمين ونهضتهم وتقدمهم ، وهي القيادة التي كانت ممهدة لهم وميسورة بفضل إخلاصهم لدعوة الإسلام وتفانيهم في سبيل خدمة المسلمين واحتضانهم المنهج الإسلامي نبراسا وأسلوبا لحياتهم ، وأن أعدااء العالم العربي والإسلامي قد أدركوا جيدا – كما سبقت الإشارة إليه – أن موطن القوة لهذا العالم هو العقيدة الإسلامية التي هي منبع المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين ، وبزعزعة هذه العقيدة تنقصم العروة الوثقى بين أبناء الإسلام وتتمزق أوصالهم ولا تبقى لهم روابط الوحدة الفكرية والأخوة العقدية .

خطر الاشتغال بسفاسف الأمور

ويمكن القول – في ضوء الواقع الملموس والدراسة العلمية المرتكزة – أن التحدي العقدي الذي أطلقه – ولا يزال يطلقه – المستشرقون والمبشرون خاصة ، وعلماء الغرب والصهاينة عامة ، قد حقق بعض أهدافه المنشودة ، ومنها نشر حالة من الركود الفكري والعجز عن معرفة الذات واستنفاذ الطاقات في الأمور التافهة والمعرك الفكرية الجانبية ، وبث الشعور بعقدة التخلف في كل النواحي ، والتقدير الفائق لمظاهر الحياة الغربية وضعف الثقة في حضارة العرب والمسلمين وتراثهم .

وأن النتيجة الحتمية لهذا كله هي بث روح الشك في كل ما بين أيديهم من عقيدة وقيم ومنهج وتشريع .

ويؤكد التاريخ أن الصراع الفكري بين الإسلام والتيارات الفكرية القديمة كان قديما منذ العصور الأولى ، ولكن الفكر الإسلامي قد واجه تلك التحديات بقوة وصلابة حتى هضمها وتغلب عليها بالأسلحة الفكرية نففسها .

وفي العصر الراهن يواجه العرب والمسلمون غزوات فكرية وتحديات عقدية بصورة أوسع وبأسلحة أفتك ،ولس أمامهم من سبيل إلا المواجهة بثقة بالذات وبدراسة عميقة وبخطة مدروسة . ومن أوجب الواجبات في هذا الصدد – في نظري المتواضع – هو عدم إضاعة أوقاتنا النفيسة في تفاهات الأمور غير مكترثين ومنتبهين إلى دسائس الأعداء في مصارعتنا في عظائم الأمور التي تمس كياننا واستقلالنا الشخصي وكرامتنا الذاتية ، علما بأنهم يستمدون قوتهم من ضعفنا وانشغالنا بسفاسف الأمور وكذلك ينبغي لنا أن نتخذ من الهجوم الاستفزازي الذي نواجه من جانب المستشرقين والمبشرين ، جافزا لنا على النهوض من رقادنا الفكري وركودنا الثقافي ، وعلينا أيضا أن نتخذ من شعورنا بالتخلف والعجز ، باعثا على تغير أفكارنا وأسلوب حياتنا طبقا للمثل الأعلى القرآني الخالد الذي لا يتطرق إليه أدنى شائبة من الريبة ألا وهو قوله تعالى : “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” (الرعد : 11) .