الإسلام دين الواقعية في شؤون الحياة البشرية

الخليج اليوم – قضايا انسانية –2/11/1985

إن من الأسئلة الهامة التي شغلت ، ولا تزال تشغل عقول البشر في القديم والحديث ، ومن الأفكار المترددة على ذهن كل إنسان ، كلما يفكر في أمور الحياة أو شاهد الموت أو القبر لأحد المقربين إليه ، أولا : ما هي حقيقة هذه الحياة ! فكيف خلقنا ؟ ومن أي شيئ خلقنا ؟ ولماذا خلقنا؟

وأما الإسلام فيعطي الجواب الصحيح الحق المقنع لكل سؤال يخطر ببال كل إنسان عاقل عن حقائق الحياة البشرية ، في كل زمان ومكان وبيئة . وعلى سبيل المثال ، فيجد جوابا واقعيا حقا في القرآن الكريم بكل صراحة ووضوح عن الأسئلة المذكورة ، ويبين أن الإسلام لم يكون شيئا مذكورا ، وكان معدوما فخلقه من النطفة التي تخرج من صلب الأب وترائب الأم وتعطي الآيات القرآنية التالية تفاصيل خلقه من واقع الحقائق المشاهدة التي لا يتسرب أدنى شك إلى ذهن أي إنسان عاقل له أدنى فهم وإدراك :

“هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا وبصيرا” (الإنسان : 1،2) .

“فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب” (الطارق : 5) .

“وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون” (السجدة : 8،9) .

ويبين القرآن في هذه الآية أن خلق الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام من طين وتراب ، وكان خلق نسله وذريته من نطفة من مني يمنى . ثم يقول ، مبينا مراحل الإنسان ، بصورة واقعية ومعجزة خالدة :

“ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين” (المؤمنون :12 ، 14 ) .

“يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعثة فإنا خلقناكم م تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ، ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ، لكيلا يعلم من بعد علم شيئا” (الحج : 5) .

وبهذا البيان الدقيق لمراحل خلق الإنسان الواقعية يقر القرآن مرحلة البعث بعدد الموت بصور يقرب إمكانيته بل وواقعيته في ضوء المراحل الأولى لحياته في هذه الدنيا ، لأن إعادة الشيئ أسهل من إيجاده في أول مرة من عدمه . وإلى هذه المرحلة البعثية وإمكانيتها وسهولتها لدى العقول السليمة وبمقتضى المفاهيم الفطرية يشير القرآن فيقول : “وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ، قل يحيي الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم” (يس : 79) .

وأما السؤال الأخير الهام الذي يخطر ببال كل إنسان عاقل فهو لماذا خلقنا ؟ ويقول القرآن محددا وموضحا الغاية القصوى والهدف المنشود من خلق الإنسان ، ويصرح بأنه لم يخلق عبثا : “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون” (المؤمنون :115) .

وكذلك يقول : “أيحسن الإنسان أن يترك سدى” (القيامة : 36).

ثم يحدد بصفة قاطعة غرض خلقه فقال : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” (الذاريات : 56).

وما هو المصير النهائي للإنسان فها هو ذا يقول دستور الإسلام :

1 – “وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ” (فصلت : 21).

2 – “ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون” (الزمر : 7).

3 – “كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون” (العنكبوت :57) .

وهكذا يبين الإسلام المراحل الواقعية لحياة الإنسان من البداية إلى النهاية بدون أن يترك في متاهات الشك أو الشبهة أو الاحتمالات ، بل تجيب الآيات المذكورة على كل الشبهات التي تخطر ببال بعض ضعاف النفوس ، وقاصري النظر وناقصي الفكر أو الذين وقعوا تحت وطأة وساوس الشياطين – من الجن والإنس – حول بدء خلق الإنسان ومراحله ، ومصيره بعد موته وببعثه ومحاسبته ومجازاته في الدار الآخرة ، وذلك ليعيش حياة مطمئنة ولتكون حياته ذات معنى ومغزى ولن تكون سدى وعبثا .