17 رمضان يصادف ذكرى : غزوة “بدر” الكبرى

في رحاب رمضان المبارك

17 رمضان يصادف ذكرى : غزوة “بدر” الكبرى

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 24-مايو-1986 م

كانت غزوة بدر في اليوم السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية ، وهي أظهر ما حدث من هذا الشهر المبارك من أحداث هامة تاريخية ، وأكبر انتصار للمسلمين في تاريخهم المديد ، لأنها وضعت حدا فاصلا بين عهد الشرك وعهد التوحيد ، وبين عهد اضطهاد المسلمين بمكة وعهد عزتهم بالمدينة .

ذروة الإيمان والفداء

لقد تجلى في غزوة بدر إيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلوغهم ذروته فيه وكذلك ذروتهم العليا في الصبر والفداء والعزيمة كما أنها شهدت مصرع أبي جهل وأمثاله من صناديد قريش ، وبهذه الغزوة انتصرت فئة الحق على فئة الباطل وانهمزت عصابة الظلم والاضطهاد والشرك والإلحاد وارتفع علم الظلم والإضهاد والشرك والإلحاد وارتفع علم الإيمان خفاقا على وجه الأرض وفرت أمام فئة الحق فلول الباطل والكفر ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى هاتين الفئتين بقوله :”فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين” (آل عمران : 13) ، وعندما اتجهت قلوب المؤمنين إلى الله تعالى ضارعة ومنلهفة تستنجد بربها أن ينصر هذه القلة المؤمنة المخلصة النظيفة على تلك الكثرة المشركة الغادرة الظالمة ، فتحت أبواب السماء لضراعتهم ودعائهم ونزل المدد من الملأ الأعلى ظهيرا لهؤلاء المؤمنين القانتين وقد اشتدت المعركة بين الجيشين : جيش الكفار مع العدد الهائل والعدة الكاملة والخيول المسمومة : والأسلحة المدججة في سوابغ الحديد والخيلاء وجيش المؤمنين مع عدد قليل وعدة ضئيلة وأسلحة ضعيفة ، وازدادت حدتها وبلغ الحماسة ذروتها ، وفي هذه الفترة الحاسمة الفاصلة كشف الله رب العالمين أمام هؤلاء المؤمنين الضارعين البواسل حجب الزمان والمكان ، وأيدهم بنصره ومدهم بعونه فأرسل جنوده من الملائكة المكرمين لتثبيت عبادة المؤمنين وتبشيرهم بالنصر المبين فقال :”إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان” (الأنفال : 12) .

وهكذا أرسل رب العزة والجلال إمداده لعبادة المؤمنين المجاهدين في سبيل الحق بكل أوتيهم من قوة وإخلاص وإيمان وشجاعة متوكلين على الحي القيوم وذلك ليحق الحق ويبطل الباطل ، وليطمئن قلوب المؤمنين حقا ، وقال :” وكان حقا علينا نصر المؤمنين” (الروم : 48) .

حكمة وملابسات غزوة بدر الكبرى

كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة نقطة تحول في مسيرة الدعوة الإسلامية حيث انطلقت من حدودها المحلية الضيقة إلى آفاقها الدولية فأرادت قريش القضاء على هذه الدعوة ورسولها ورجالها من كل مكان قبل أن يستفحل أمرها وينتشر خبرها ويتم نضج عودها وقوامها فما كان أمام المسلمين إلا التفكير والتخطيط لسد هذا العدوان المرتقب المرتب ترتيبا دقيقا والدفاع عن دينهم وكيانهم وحقهم وكرامتهم ، وفضلا عن ذلك كله فقد وصل اضطهاد المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين إلى حد تعاقبهم في كل مكان بعد الاستيلاء على أموال المسلمين بغير حق واغتصاب مملكاتهم في مكة وضواحيهم وكان ذلك كافيا لقتال المشركين بهدف استرداد حقوقهم المغتصبة وأموالهم المسلوبة وكرامتهم المهضومة ولكن كانوا يتمسكون بمبادئ الصبر والمصابرة والمجاهدة وما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد الحرب في بادئ الأمر ولكن حينما استفحل الأمر وبدأ المشركون ومن ورائهم في مختلف أنحاء جزيرة العرب وما جاورها في وضع مخططات واسعة النطاق لمنع نشر دين الله في أي مكان وفي أي زمان ، ولاستئصال كيان أمة الإسلام في كل الظروف والبيئات بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام في عمليات التصدي لتلك المؤامرات ذات العواقب الوخيمة طويلة الأجل والمدى ، وكانت قريش آنذاك سافرة في عداوته وداخله في حالة حرب مع المسلمين عامة ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشعر قريشا عدة مرات بأن المسلمين لا يريدون الحرب معها لاسترداد حقوقهم المغتصبة وأوطانهم المحتلة ولكن يريدون تأمين حرية الدعوة وضمان الحركة وفرصة زيادة مكة للحج والعمرة بأمان وسلام وكرامة ، يطريقة سلمية وتفاهم ولكن قريش لم ترجع عن غيها ولم تستعد للتفاهم على أسس سليمة فلم يجد المسلمون ملاذا ولا مخرجا للمأزق المحيط بهم والإخبار بأن قريش قد خرجت كلها مع كامل العدد والأسلحة لقتال المسلمين وأدركوا أنهم مواجهون جيشا متفوقا عليهم فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله تعالى فتضرع قائلا :”اللهم إذ تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض” ، واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم موقع “بدر” الواقعة خارج حدود المدينة المنورة جنوبا ن موقع استراتيجيا لجيش المسلمين لأنها أقرب بقعة إلى الماء فيكون معهم الماء ولا يكون مع قريش كما اختار زمنا مناسبا لإعداد جند الله نفسيا وروحيا ولما اشتدت المعركة نسي كل مقاتل من المسلمين كثرة عدد العدو وقلة أصحابه وازداد إيمانهم بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وبوعد رب العالمين بالنصر المبين فتطايرت رؤوس صناديد المشركين وتمت نصرة الله للمؤمنين خلال بضع ساعات من نشوب القتال ، وبدل الله خوفهم أمنا فنزل قوله تعالى : “ولقد نصركم الله ببددر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشركون ، إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ، بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسؤمين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ، ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين” (آل عمران : 123-127) .

فليعش المسلمون مع دروس “بدر” !

إن الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى وحكمتها وملابساتها دائمة التجدد وأن منابع تجاربها وخبراتها تفيض عظات وعبر وتوجيهات لأمة الإسلام عبر الزمن ، وقد بين القرآن والتاريخ النبوي جوانب كثيرة وهامة لهذه الغزوة العظمى في تاريخ البشر لتكون عبرة لأولي الألباب ، والله هو المستعان .