هؤلاء هم بناة الهند الحديثة

صوت الشرق فبراير 1955م

المهاتما غاندي

حينما أقبل غاندي ليشق سبيل الاستقلال أمام وطنه المحبوب “الهند” لم يكن في قبضته أية قوة مادية ولا سلطان نافذ يستطيع أن يتغلب به على العدو القوى ، ولكن روحه العظيمة وشخصيته الفذة الممتازة كانتا أكبر سلاح ، في ميدان الكفاح ، وكان يفهم القوة الروحية بطريقة جديدة لأعلى طريقة الفكرة القديمة ولا على أساس الخرافات والخزعبلات التي كانت تفسر الروحانية بإنكار الذات والأعراض التام عن الدنيا وما فيها ، بل كان يجمع بين القداسة والسياسة والدين والدنيا .

ولد موهانداس غاندي يوم 2 اكتوبر عام 1899 في ولاية صغيرة في إمارة كتياوار بمقاطعة بومباي ،و كان أبوه كرمشاند غاندي رئيس وزراء بوريندر في نفس الولاية ، وقد اشتهر أبوه بأمانته وإخلاصه في عمله ، وكانت أمه أيضا امرأة ورعة صالحة ، وكان غاندي أصغر أبنائهما ، ولم يكن غاندي من التلاميذ النابغين في دراساته الأولى وفي سنة 1887 أبحر إلى لندن للدراسات العليا فلما كان في انجلترا أخذ يدرس حياة الغرب في مثابرة وعزم ، وكان في أول الأمر يحاكي الانجليز في عاداته ولكن سرعان ما عذل عن كل ذلك ووجه همه إلى دراسته وعاش عيشة بسيطة متواضعة .

وقد سبق غاندي مكافحون كثيرون لتحرير الهند ، ولكن كان بينهم وبين عامة الشعر هوة سحيقة ، إذ يحاولون الاختلاط بالشعب كأفراد منهم ، ثم ظهر غاندي فجعل نفسه واحدا من عامة الشعب بدون أي امتياز في ملبسه أو مأكله أو مسكنه ، وهذا هو السر الكامن في ارتدائه إزارا بسيطا وإقامته في الكوخ الفقراء ، ولقد جارى الملايين من سواد الشعب وليس بالطبقة الارستقراطية العتيقة ، فالتقوا حوله رجالا ونساء صغارا وكبارا في طول البلاد وعرضها ، وشعر المواطنون بالكرامة الشخصية والاحترام النفسي وصارت من الهند أمه ناهضة حرة مكافحة في سبيل العزة والحرية .

جواهر لا نهرو

ازدادت شهرة نهرو الشعبية كثيرا فأصبح يحتل المرتبة الثانية بعد غاندي ،، وفد ظل رئيسا للمؤتمر الهندي وسكرتيرا له سنوات عدة في أحرج الأوقات التي مرت بها الهند ، وهو الآن يحكم الهند العظيمة بسياسة ممتازة بريئة من التعصب والطائفية بطريقة مستقلة حرة من غير تحيز ولا تحزب ، وهو يلعب دورا هاما في السياسة الدولية بنفس الطريقة السليمة القويمة ليجنب الجنس البشري ويلات الحروب والكروب .

ولد نهرو في مدينة أله آباد في الرابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1889 ، وفي طفولته عهد إلى أساتذة خصوصيين بأمر تعليمه وتثقيفه ، وفي سنة 1905 عندما كان يبلغ من العمر خمس عشرة سنة غادر الهند إلى انجلترا ليلتحق بكلية هارو ، وفي سنة 1912 عاد إلى الهند والتحق بالمحكمة العليا كمحام والتقى بغاندي سنة 1916 فوجد أن غاندي لديه خطة جاهزة عملية لتحرير الهند وإنهاضها فانضم إليه مكافحا مجاهدا ، وقضى أكثر من أحد عشر عاما من حياته رهين السجن ، وألف في ؟؟؟؟؟؟؟مؤلفاته وكتب تاريخ حياته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ أغسطس سنة 1947 حينما انتقلت الهند إلى عهد الاستقلال ، منذ سنوات طوال ضربنا للقدر موعدا ، وها قد حان الوقت الذي ننجز فيه وعدنا وبفضل زعامته وضع دستور من أحسن اندساتير الديمقراطية في العالم إذ ينص على الحريات والمساواة للجميع .

اقتفى نهرو وخطوات زعيمه الروحي غاندي وفي الوقت نفسه وجه جهوده إلى ناحية صيانة السلام العالمي وحل جميع المشكلات العالمية بوسائل سلمية يرجع معظم الفضل في نشر الوية السلام في كوريا والهند الصينية وغيرهما إلى صراحته ، وصدقه وإخلاصه وشجاعته في الحق .

مولانا أبو الكلام آزاد

هو أحد الأعمدة الأربعة للهند التي تتمثل في غاندي ، نهرو ، آزاد ، ورفيع أحمد ، وهو من المكافحين القدامى لتحرير الهند مع المهاتما غاندي وقد قضى في السجن أكثر من أحد عشر عاما في سنة 1923 انتخب رئيسا للمؤتمر الهندي ، ومرة أخرى انتخب رئيسا له في سنة 1939 إلى سنة 1946 ، وكانت هذه السنوات ؟؟؟؟؟ الأعوام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وكان يدير كفة الحزب لحزم وعزم .

هو من عائلة يرجع تاريخها إلى أيام امبراطور “أكبر” أمبراطور الهند المشهور ، وقد ولد في مكة سنة 1889 حيث أقام والده بضع سنين ، وفي سنة 1898 عادت العائلة إلى الهند حيث أقامت في كلكتا ، وقد طاف بالعراق وإيران ومصر وتركيا وفلسطين واتصل بزعمائها ومصلحيها الكبار .

وفي سنة 1912 أصدر مجلته المشهورة “الهلال” باللغة الأوردية ، ولكن السلطان البريطانية طلبت الضمانات أولا ثم صادرتها نهائيا في سنة 1914 .

ثم أصدر مجلة أخرى باسم “البلاغ” فتوقفت هي أيضا حينما سجن ، وقد كتب أروع المؤلفات التي لا تزال مضرب الأمثال في الهند وباكستان في الدقة والبلاغة وروعة الأسلوب ثم عين وزيرا للمعارف بعد استقلال الهند وهو الآن يأخذ بين الملايين الهنود إلى شاطئ النور والعرفان ، وكان يلقب بشيخ الهند وأمامها ، وأحسن وصف لشخصيته هو ما وصفه به غاندي “أنه لا يباري في العلوم الإسلامية كما هو متبحر في اللغة العربية ، ووطنيته متينة صادقة كإيمانه بالإسلام .

رفيع أحمد قدوائي

كان من أشد المكافحين في سبيل استقلال الهند وكان أشد الناس تمسكا بزعامة غاندي وتعاليمه السياسية واعتقل أربع سنوات مختلفة ، وكان يلقب بـ “منظم الهند الممتاز” وكان يتولى منصب السكرتير العام لحزب المؤتمر الهندي أكثر من خمس مرات في مقاطعة “أوتار براديش” .

ولد رفيع أحمد في سنة 1894 ثم تلقى دراسته القانونية ولكنه لم يشتغل بالمحاماة وانضم إلى حركة الكفاح ، وفي سنة 1947 انتخب عضوا في الجمعية التأسيسية ، ثم عين وزيرا للمواصلات في الحكومة المركزية ثم عين وزيرا للأغذية ، وهذه الوزارة تعتبر من أهم الوزارات وتمكن في ظرف عامين من إلغاء نظام التوزيع بالبطاقات، ويعتبر من تلاميذ غاندي الممتازين ، وهو من أشد أنصار السياسة غير الطائفية ، ويؤمن بالسياسة العلمانية السلمية ، وقد فاجأه الموت في شهر أكتوبر سنة 1954 فكان خسارة فادحة حلت بالهند وكان صديقا مقربا إلى رئيس الوزارة جواهر لال نهرو .

فيجايا لاكشمي بانديت

وهناك في الهند نساء وصلن إلى ذروة المجد وكافحن في سبيل حريتها ونهضتها ومنهن مسس بانديت شقيقة نهرو ، وكانت تنزيم حركة التحرير في الهند وتحملت في ذلك ضربات العصى السجن عدة مرات فأمضت سنتين وتسعة أشهر وراء قضبان السجن وبعد استقلال الهند انتخبت رئيسة للوفد الهندي في الأمم المتحدة ، ثم عينت سفيرة للهند في عاصمتين من أكبر عواصم العالم ، هما موسكو وواشنطون وفازت على نساء العالم بأكبر شرف حينما انتخبت رئيسة للأمم المتحدة في سنة 1954 ، و هي الآن تشغل منصب المندوب السامي الهندي في انجلترا .

راج كوماري امريت كور

هذه السيدة لها يد طولى في كفاح الهند للاستقلال ، وهي الآن وزيرة الصحة في الحكومة المركزية ، وهي مصلحة اجتماعية ممتازة ، وهي مسيحية وتلميذة لغاندي في وقت واحد وأدبية ممتازة وكاتبة ماهرة ، وقد تلقت دراساتها العليا في أوكسفورد وفرنسا وجابت البلاد الغربية من أدناها إلى أقصاها .

وهناك أشخاص عديدون كان لهم فصل كبير وقسط وافر في العمل على تحرير الهند من الاستعمار وبنائها على أحدث النظم وأرقاها ، وتدعيم كيانها ، ولكن لا يتسع هنا المجال لاستيعابهم جميعا ، ولعلنا نذكرهم في مناسبة أخرى إن شاء الله .