نبوغ العلماء العرب والمسلمون في مختلف العلوم والفنون

الخليج اليوم – قضايا انسانية -15/9/1985

لقد عرفنا من البيانات السابقة مدى اهتمام الخلفاء والحكام المسلمين بالنهضة العلمية والحضارية ، وإنشاء مراكز العلوم والبحوث ، وتشجيع العلماء على الاكتشافات والاختراعات ، ونشر الكتب والمكتبات في كل ركن من أركان دولتهم فنبغ كثير منهم في مختلف العلوم والفنون ، وكان الخليفة “عضد الدولة” – على سبيل المثال – عالما رياضيا وواظب الاشتراك في المجالس العلمية التي يعقدها كبار العلماء الذين يفدون على بغداد ، وقام جعفر بن الخليفة المكتفي بالله بأرصد هامة خاصة بحركة “المذنيات” وألف بحثا فيها .

ونبغفي هذا العصر أيضا عالمان فلكيان مسلمان يرجع إليهما الفضل الأكبر في النهضة الحديثة في ميدان الرياضة والطبيعة والفلك وهما : العالم الفلكي “الكوهي” و”أبو الوفا العراقي” المتوفى سنة 387هـ – 997م . أما “الكوهي” فدرس حركات الكواكب السيارة وألف فيها وأضافت اكتشافاته بشأن الانقلاب الصيفي والاعتدال الخريفي جديدا إلى المعرفة البشرية .

وأما “أبو الوفا” فأدخل نظام استعمال “القاطع والماس” في علم حساب المثلثات والإرصاد الفلكية ، وأصبحت القاهرة في عهد الفاطميين مركزا جديدا من مراكز العلم والفكر ، وفي عهد “العزيز بالله” تألق في هذه المدينة العريقة أعلام من علماء الرياضيات ، ومنهم “ابن يونس” الذ اخترع “البندول” وقاس الزمن بذبذبته ، وقد اشتهر “بالزيج” الذي ألفه ونسبه إلى الحاكم بأمر الله وهو “الويج اللحاكمي” الذي قام مقام كتاب “كلوديوس بطليموس” ، ثم نقل الشاعر الفلكي عمر الخيام هذا الزيج إلى بلاد فارس كما نقله “خريسوكوكا” إلى بلاد اليونان ، ونصير الدين الطوسي إلى بلاد المغول حيث يسمى “بالزيج الإيلخاني” .

وفي سنة 1280م نقله “كوشوكنغ” إلى بلاد الصين ، فلننظر بعين الاعتبار ما قاله المؤرخ العالمي “سيديو” – بحق وحياد – في معرض الكلام عن الزيج العربي الذي انتقل إلى الصين “فما ينسب إلى الحضارة الصينية القديمة ما هو إلا قبس مستعار من مشكاة المسلمين ” .

ولا يخفى على من له إلمام بتريخ الحضارات العالمية أن العرب هم الذين شيدوا أول مرصد في أوروبا حيث أشرف العالم الرياضي الكبير “جابر بن أفلح” على إنشاء برج “أشبيلية ” المعروف باسم : “الخيرالدا” (أو الجيرالدا) لرصد النجوم وذلك في سنة 1190م .

وأما أعداء العالم العربي والإسلامي فعلى علم بهذه الحقائق التي تشحذهم العرب والمسلمون ، وتثير إعجاب الآخرين بماضيهم المجيد ، فلجأ هؤلاء الأعداء إلى استخدام أسلحة الأضاليل والأراجيف لتشويه تلك الحقائق وطمس ملامحها وإخفائها عن أعين الناس حتى عن أعين أصحابها الحقيقين الذين هم الآن في حاجة إلى استذكار دروس الماضي لتكون نبراسا للمستقبل .

والذي يستطيع تاريخ الإسلام يعجب لما يراه من سرعة الحركة العلمية العظيمة التي سرت في جميع الأقطار الإسلامية في عصوره الأولى ، فما استهل القرن الثامن إلا ورقعة العالم الإسلامي قد اتسعت من بلاد الشام وفارس والسند إلى مصر والمغرب وبلاد الأندلس ، وما فتح العرب بلدا إلا نهضوا به اجتماعا وسياسيا وعلمايا وفنيا.

ويمكن أن نستوعب هذه الحقيقة التاريخية الواقعية من جهود العرب والمسلمين في النهوض بالعلوم الرياضية ومن اكتشافاتهم وابتكاراتهم في شتى فروعها من الحساب والهندسة وعلم الفلك ومن مدى ازدهارها في ظل الحضارة العربية الإسلامية .