من الأضاليل الفكرية والعلمية في “دائرة المعارف البريطانية”

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 19-مارس-1987 م

(دراسة وتحقيق)

إن المستشرقين وعلماء الغرب المسيحيين لم يتركوا حتى المراجع والموسوعات العلمية عن الأباطيل عن الإسلام وما يتعلق به واتخذوها وسيلة لدس السم في الدسم وقلب الحقائق التاريخية الثابتة بدون مراعاة للأمانة العلمية والحياد الموضوعي .

وعلى سبيل المثال فإن أعرق الموسوعات العلمية وأِشهرها في العالم “دائرة المعارف البريطانية” التي كان من المفروض أن تتحرى الدقة وتلتزم الأمانة العلمية ولكنها قد خصصت صفحات منها للافتراءات عن الإسلام الذي هو خاتمة الرسالات السماوية ، وعن كتابه الذي هو أقدس الكتب المنزلة من عند الله تعالى ، وعن رسوله الذي هو خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام .

ومن الموسوعات العلمية المشهورة أيضا موسوعة “دائرة المعارف الإسلامية” التي صدرت بعدة لغات وترجمت إلى اللغة العربية وانتشرت في الجامعات والمكتبات العربية والإسلامية ، وأن مثل هذه الموسوعات يعتبرها كثير من الباحثين المسلمين والعلماء المثقفين مراجع أصلية وتستخدم في جامعات ومكتبات العالم العربي والإسلامي كحجة في الموضوعات التي تتكلم بها مع أن كبار المستشرقين وأشدهم عداء للإسلام ولكتابه ولرسوله هم الذين ألفوها وأصدروها فدسوا فيها سموم الأضاليل عن عقدة الإسلام وعظمته وتاريخه .

وأود أو أكتفي هنا بالإشارة إلى بعض نقاط الأضاليل العلمية الفاحشة عن عقيدة الإٍسلام ، والتي حفلت بها “دائرة المعارف البريطانية” في المقالين المتعلقين بموضوعي الإٍسلام ومحمد المنشورين في طبعة عام 1987م .

يقول مؤلف مقال “الإسلام” : “إن الصورة التي تتداخل فيها صفات القوة والعدل والرحمة ذات صلة بالتراث اليهودي – المسيحي حيث استمدت منه بعد أن طرأ عليها بعض التعديلات وكذلك تتصل بالوثنية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية ، (دائرة المعارف البريطانية ، طبع 1987م ص 913 ج 9) .

وقد حاول الكاتب بكل دهاء وخبث عن عمد للزعم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقى مفهوم الله من المصادر اليهودية – المسيحية والمفاهيم الوثنية التي سادت شبه الجزيرة العربية .

ويقول مؤلف نفس المقال : “لم يأت (النبي محمد) بمعجزة إلا معجزة القرآن ، ومع ذلك فقد نسب المسلمون إليه عقب وفاته فيضا من المعجزات” .

وتتناول هذه الموسوعة موضوع “الإسراء والمعراج” بأسلوب أكثر وقاحة وأشد خبثا فنشرت صورة بين سطور الموضوع تصور النبي صلى الله عليه وسلم ممتطيا صهوة البراق وهو يعرج به إلى السماء وفي محيته جبريل عليه السلام وظهرت الحوريات أيضا وهن فوق ظهور الجمال وكتبت أسفل الصورة العبارة التالية :

“زيارة محمد للجنة قد ظهر محمد إلى اليمين فوق البراق ذي الرأس الآدمي ، وجبريل إلى اليسار ، وفي أسفل الصورة ظهرت ثلة من الحور العين وهن يتبادلن باقات الزهور احتفاء بيوم الجمعة الذي يعتبر يوم عطلة إسلامي” .

وإنما يدل مثل هذه الصور والرسوم والعبارات دلالة واضحة على خبث كل من اختارها وكتبها ونشرها ، وسوء نيتهم وعدائهم وسخريتهم من عقيدة الإسلام ومبادئه وسيرة رسوله الكريم .

الاستهزاء بالعرب والمسلمين

وفي نفس الصفحة من هذه الموصوعة التي انخدع بها – ولا يزال ينخدع بها – عدد كبير من المثقفين المستغربين ، من العرب والمسلمين ، صورة أخرى تسخر بالشخصيات الإسلامية الدينية مع التركز على الاستهزاء بالزي العربي والتقليدي وهي : صورة ظهرت فيها الملائكة وهي تسجد لآدم بينما جلس إبليس رافعا هامته وقد أبى أن يشارك في السجود ، وكتب أسفل الصورة التعليق التالي :

“رفض إبليس أن يعبد آدم وقد ظهر إبليس على هيئة إنسان فوق سجادة صلاة إلى اليمين والملاحظة في هذه الصورة أن هؤلاء الكفرة الفجرة من المستشرقين السفلة لم يضمروا كراهيتهم وسوء نيتهم تجاه الإسلام والمسلمين والعرب إذ صوروا الشخصية التي يتخيلها العرب والمسلمون رمزا للتدين والآداب الإسلامية ، على هيئة إبليس فهو (في الصورة ) قد ارتدى عباءة وعمامة وقد أطلق لحيته وجلس فوق سجادة للصلاة بينما ظهر فيها آدم عليه السلام عاريا حليق الوجه وفي وضع مضحك للغاية ، وهل يمكن صدور مثل هذا الخداع والغش والمكر من العلماء الأكادميين ؟ كلا ثم كلا !

الافتراءات على محمد صلى الله عليه وسلم

ومن الزيف الصريح والضلال المبين الذي حفلت به هذه الموسوعة العالمية في إطار العقيدة الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم وبينتها السنة النبوية الشريفة ، زيفها عن المصادر الأصلية للعقيدة الإسلامية إذ تقول :

” إن النبي محمد قد تبعه سبعة أئمة يتولون تفسير إدارة الله إلى الناس وهم بمعنى معين ، أسمى منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يستمدون علمهم مباشرة من الله وليس من ملك التنزيل” (جائرة المعارف البريطانية ، طبع 1987 م ، ج 9 ، ص 917) .

وهل يمكن تصور صدور مثل هذه الترهات من عالم باحث يريد التعرف على حقائق الأمور من مصادرها الأصلية ؟ مهما كان اتجاهه السياسي واعتقاد الديني ، وهل يخفى عليه أن الإسلام يتعرف عليه من خلال مصادره الأصلية إلا وهي القرآن والسنة النبوية ؟ ولا ينبغي أن يحكم عليه من خلال أقاويل أو أضاليل المخرفين والمحرفين ! .

وتقول الموسوعة في مقالها بعنوان “محمد” : “وفي أغلب الأوقات كان المسلمون يشاركون محمد في الصلاة في داره التي تحولت بعد وفاته إلى مسجد المدينة” ، والواضح جدا من هذا القول أن المؤلف لا علم له حتى بأبجدية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتاريخ بناء مسجد الرسول بالمدينة المنورة الذي هو أهم معالم التاريخ الإسلامي ، ويعلم التلميذ المبتدئ لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو أول وأهم عمل قام به عقب وصوله إلى المدينة مباشرة هو بناء المسجد الذي تضافر في إقامته الرسول وصحابته الكرام ، وبعد ذلك شيدت دار الرسول بجواره من الطين مكونة من غرفتين ، ومنذ أول وهلة للهجرة كان مسجد الرسول في المدينة مركزا للقيادة ومقرا للتعليم والقضاء والإدارة والشورى فكيف يهذي هذا الكاتب العالم الموسوعي بأن دار النبي تحول بعد وفاته إلى مسجد المدينة ؟

مخاطر الاستشراق والمستشرقين

وأما موسوعة دائرة المعارف الإسلامية فيقول عنها الدكتور مصطفى السباعي : ” وقد أصدروها بعدة لغات ، وبدأوا بإصدار طبعة جديدة منها قد اطلعت على الأجزاء الأولى للطبعة الثانية من سكرتير الموسوعة حين زرت اكسفورد عام 1956 م وقد بدئ بترجمة الطبعة الأولى إلى اللغة العربية ، وصدر منها حتى الآن ثلاثة عشر مجلدا ، وفي هذه الموسوعة التي حشد لها كبار المستشرقين وأشدهم عداء للإسلام ، قد دس السم في الدسم ، وملئت بالأباطيل عن الإسلام وما يتعلق به ، ومن المؤسف أنها مرجع لكثير من المثقفين عندنا بحيث يعتبرونها حجة فيما تتكلم به ، وهذا من مظاهر الجهل بالثقافة الإسلامية وعقدة النقص عند هؤلاء المثقفين ” (كتاب : الاستشراق والمستشرقين صفحة 27 ، طبع بيروت 1399 هـ) .

وأرى من إتمام الفائدة أن أذكر هذا الصدد شخصا من أخطر المشتغلين بالدراسات الشرقية ويتظاهر بالدفاع عن القضايا العربية ويحاول دائما للانتقاص من دور الإسلام في بناء “الثقافة الإنسانية او الحضارة العلمية” ويكره أن ينسب للمسلمين أي فضل ، وهو “فيليب حتى” المشهور، وهو لبناني مسيحي ومهاجر إلى أمريكا وكان أستاذا ثم رئيسا لقسم الدراسات الشرقية بجامعة “برنستون” بأمريكا ، وكان مستشارا غير رسمي لوزارة الخارجية الأمريكية في شؤون الشرق الأوسط ، وأما كتابه “تاريخ العرب” بالإنجليزية الذي صدرت منه عدة طبعات فمليئ بالطعن في الإسلام والسخرية من نبيه .

وعلى سبيل المثال ، فقد كتب “فيليب حتى” في “دائرة المعارف الأمريكية” تحت عنوان : “الأدب العربي” يقول : “ولم تبدأ أمارات الحياة الأدبية الجديدة بالظهور إلا في القسم الأخير من القرن التاسع عشر ، وكان الكثرة من قادة هذه الحركة الجديدة نصارى من لبنان تعلموا واستوحلوا من جهود المبشرين الأمريكان ” (انظر دائرة المعارف الأمريكية ، طبع 1947م ، ص 139) .

وتشتد خطورة هذه المعاجم والموسوعات عند الذين يبالغون في الاعتماد على المراجع الأجنبية والافتخار بها والإشادة بما فيها ، وجدير بالذكر في هذا الصدد أن المستشرقين “بصفة عامة” قد أدوا خدمات جليلة للمباحث الإسلامية بطريقتهم المنظمة ومثابرتهم المتواصلة على تحقيق النصوص في بطون الكتب العربية القديمة ونشرها ، على الرغم من الأخطاء الكثيرة في الفهم ، والتأويل وتفسير الأحداث وقام بعضهم بنشر نفائس الكتب العربية والإسلامية القديمة .

ومما لا شك فيه أن الإسلام دين الله للعالم كله والعلم للمجتمع ولكن الشرط الأساسي لكل باحث منصف وعالم محقق أن يتحلى بصفات الإنصاف والإخلاص للحق والبعد عن العصبية وهوى النفس ، وأن العبرة ليست بالجهد الذي بذل ، وإنما العبرة بالهدف الذي وراء هذا الجهد وبالنتيجة النهائية التي أدى إليها هذا الجهد المبذول ، وهل كان هذا الهدف هو خدمة الإسلام ، أم تشويه صورته ؟ وهل كان الدافع وراء ذلك الجهد هو التحقيق العلمي او التبشير الخفي ؟ وإذا درسنا بحوثهم العلمية ودراساتهم الإسلامية بإمعان ووعي وبصيرة وشعور باستقلال الشخصية ، بعيدين عن الانبهار الأعمى بمظاهر أعمالهم وآرائهم الجذابة ، نرى الصورة المشوهة التي اصطنعوها من تعاليم الإسلام وتاريخه ورجاله بحيث يضمن التأثير في العقيدة والوحي والنبوة .

وسائل الكشف عن علماء الزيف

وأما سبيل التغلب على هذا الكيد المرصود للعقيدة الإسلامية الصافية النقية ، والتخلص من الفخ الذي نصبه الاستشراق الظاهر بزي البحث العلمي ، والخفي بالهدف الصليبي- التبشيري فهو التخلي عن الشعور بالنقص والضعف وعدم الثقة بأنفسنا إزاء الباحثين الغرب ، وأكبار أعمالهم بدون فحص ونظر ، والتحلي بشعور الاستقلال الفكري وقيمة الحضارة العربية والإسلامية ومعرفة ما عندنا من عقيدة وتشريع وتاريخ وعلوم وثقافات من المصادر الإسلامية الأصلية من القرآن والسنة وكتب علمائنا ، وقد اعتمد المستشرقون والمبشرون في دراساتهم عن عقيدة الإسلام وتاريخه وعلومه على هذه المصادر نفسها ولكنها فهموا النصوص على غير حقيقتها وقلبوا المحاسن إلى سيئات وتعمدوا التخريف والتضليل فالهدم ، فعلى الطبقة المتعلمة في العالم العربي والإسلامي أن تتخلى عن الاتكال في فهم الإسلام وتاريخه وعلومه على مراجع وكتب المستشرقين الغرباء عن اللغة العربية وأهداء العقيدة الإسلامية وأن تقوم طائفة من العلماء الباحثين وكشف حقيقة هؤلاء المستشرقين في أبحاثهم وأهدافهم التبشيرية والاستعمارية من ورائها ، مستعملين معايير المنهج القويم في النقد العلمي فينكشفون على حقيقتهم ويخجلون من أضاليلهم في حق العلم وحقيقة الدين .

الأهداف الكامنة في الدراسات الشرقية في الجامعات الغربية

إن الاستشراق اليوم علم قائم بذاته يدرس في الجامعات الكبرى في العالم ، ويقوم به الأساتذة المتخصصون في تدريس العلوم الشرقية وترجمة المؤلفات الشرقية والمستشرق هو الغربي الذي يقوم بدراسة العلوم والآداب واللغات الشرقية ، ولا يعرف بالضبط من هو أول غربي غني بالدراسات الشرقية ، ولا في أي زمن كان ذلك ، ولكن رأينا من البيان السابق أن بعض الرهبان الغربيين قد ذهبوا إلى الأندلس في عهد حكم المسلمين فيها ، ودرسوا اللغة الغربية وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم .

وبعد التوسع الاستعماري الغربي في الشرق بدأ المستشرقون دراسة جميع ديانات الشرق وعاداته ولغاته وحضاراته مع عناية خاصة بالإسلام واللغة العربية نظرا للدوافع الدينية والسياسية ، وعقد أول مؤتمر عام للمستشرقين في باريس عام 1873 م ثم تولى عقد مثل هذه المؤتمرات بتوسع واهتمام في شتى بلاد الغرب ، وهناك مراكز وأقسام عديدة مستقلة للدراسات الشرقية في الجامعات العلمية في الغرب كله ، وأن في القارة الأمريكية وحدها حوالي تسعة آلاف مركز للبحوث والدراسات الشرقية عامة ومنها حوالي خمسين مركزا مختصا بالعالم الإسلامي ، وأن مهمة هذه المراكز هي تتبع كل ما يجري في العالم الإسلامي ثم دراسته وتحليله مقارنا بأصوله العقدية ومنابعه التاريخية ثم مناقشته مع صانعي القرار السياسي ، وفي ضوء تلك الدراسة الدقيقة توضع الخطط وتحدد الاستراتيجيات ووسائل تنفيذها في تلك المنطقة من العالم .

التشويه والتزييف

وفي مقدمة دوافع الاستشراق والمستشرقين الدافع الديني التبشيريالذي يهدف إلى التشكيك في أحقية العقيدة الإسلامية ومصادرها الأصلية من القرآن والسنة ، لإدخال الوهن إلى قلوب المسلمين ولتشويه سمعة الإسلام في نفوس المثقفين ، وبالتالي حماية العالم الغربي المسيحي من خطوة وإخفاء حقائقه عن الناس والحط من قيمته وقدر نبيه ، وتحذيرهم من خطر الاستسلام لدعوة الإسلام ونظامه .

ومن الوسائل التي يتخذها المستشرقون لتحقيق أهدافهم :

– تأليف الكتب والمراجع والموسوعات العلمية في موضوعات مختلفة عن الإسلام ونظمه مع التحريف الخفي والتزييف المتعمد في الوقائع التاريخية وفي نقل النصوص من القرآن والسنة .. وبيان سيرة الرسول.

– إصدار النشرات الدورية والمجلات العلمية الخاصة ببحوثهم عن الإسلام والمسلمين .

– إلقاء المحاضرات والخطب في الجمعيات العلمية وفي الجامعات في كل مكان ، ونشر مقالات وبحوث في الصحف والمجلات واسعة الانتشار وخاصة في أوساط المثقفين .

– ترجمة كتبهم وموسوعاتهم ومراجعهم إلى اللغة العربية بطرق شتى .

وبغية الكشف عن دور المستشرقين في الزيف العقدي والغزو الفكري للعالم العربي والإسلامي ، أردت القيام بتطواف سريع حول طائفة من الأضاليل الفكرية والأباطيل العلمية لعلماء الاستشراق والاستغراب بغية كشف الغطاء عن أبصار المنبهرين من الطبقة المثقفة في المنتجين إلى الإسلام ، بالمستشرقين المشتغلين بدراسة الإسلام وحضارته وتاريخه ونبيه وكتابه ، وأكثرهم مسيحيون متدينون ، يخدمون دينا ينكر عقائد أساسية في النصرانية ويفندها مثل عقيدة التثليث وعقيدة الصلب ، بعد هذا كله أنهم لا ينسون أن الإسلام هو الدين الذي قد قضى على النصرانية في كثير من بلاد الشرق وحل محلها ، وبث نفوذه في عقر دارها في أوروبا قرونا عديدة .

وأما التزام بعض الباحثين المستشرقين بالحيدة والموضوعية في بعض المسائل العلمية أو التاريخية فلا يمنع تسجيل انحراف الأغلبية الغالبة منهم من النزاهة العلمية وتحاملهم على الإسلام وتشويه صورته ومحاولتهم لزعزعة عقيدته النقية الحقة ، ظلما وبهتانا وإفكا مبينا .

أفيقوا قلب فوات الأوان !

وقد حان الأوان لأن تعمل الطبقة المثقفة من العرب والمسلمين لتحقيق الاستقلال الفكري والشعور بشخصيتهم وقيمة حضارتهم وتراثهم والشعور بالخجل من الاتكال على المستشرقين في المعرفة ما عندهم من عقيدة وتشريع وفقه وتراث علمي ،وكذلك ينبغي لعلماء العرب والمسلمين وباحثيهم ومحققيهم أن يستعملوا نفس المعايير التي يأخذ بها المستشرقون عند نقد تعاليم الإسلام وتاريخه ونبيه وأئمته ، في نقد ما عند الغرب من دين وحضارة وكتب مقدسة علوم وتراث ، فعندئذ تظهر الصورة الحقيقية عن عقائدهم وحضاراتهم وعلومهم الخاصة بهم ، فلعلهم يخجلون بها عندهم وينبهرون بدورهم ، بما عند العرب والمسلمين في الحقيقة قبل التشويه والتحوير ، وربما لا يستمرون في التحريف والتضليل ، ويعرف كل باحث منصف وعاقل محايد أو كتب العرب والمسلمين وتراثهم هي المصادر الأصلية لعلوم الغرب وحضارتهم ، وإن كان المسلمون عنها غافلين ، وقد انقضى العهد الذي كان فيه المثقفون – المستغربون – من المسلمين يعتمدون في مصادر معرفتهم للإسلام وعلومه وتاريخ حضارتهم وأئمتهم على مؤلفات ومعاجم المستشرقين ، وقد حان الأوان لأن يرفعوا عار الاتكال في فهم دينهم وتراثهم على ما يكتب الغرباء عن اللغة العربية التي هي وعاء العلوم الإسلامية ، وعلى ما ينشره الأعداء المتربصون للإسلام وأهله عبر العصور ، وفي الذكرى عبرة لأولي الألباب .