مكانة حسن المعاملة في نظر الإسلام

الخليج اليوم – قضايا انسانية -3/11/1985

إن الإنسان إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يستطيع العيش بمفرده ولو استطاع أحد أن يعيش كذلك في ظروف خاصة لكان ذلك أمرا شاذا لا يقاس عليه ولا يستطيع جميع الناس متابعته عليه …

وأما الإسلام فليس معنى خاصا بالفرد – كما يتوهم البعض جهلا بطبيعة الدين الإسلامي كما حقه – بل هو أيضا علم المسلم خارج نفسه مثلا : فإن فرائض الإسلام ومستحباته التي لا يمكن تأديته إلا بالمخالطة مع الناس وتعاونهم – كصلاة الجمعة والجماعة في الصلوات الخمس المكتوبة والعيدين وتشييع الجنازة ، وعيادة المرضى ، وكذلك تعلم أمور الدين وتعليمها ، فكلها يتم بالمخالطة مع الناس ، وفي هذه الحالة يجب على المسلم أن يختار سلوكا حسنا في صحبته معهم ويحافظ على حقوقهم ويعتز بإخوتهم ، ويرد إساءتهم بالحسنى والحكمة والصفح الجميل ..

الإعراض عن العناصر الفاسدة

وينبغي للمسلم أن يختار لصحبته ورفقته العناصر الصالحة المستقيمة من الناس ويعتز بهم ، وفي الوقت نفسه ، عليه أن يعرض عن العناصر الفاسدة ويتعامل معها إذا اقتضت الضرورة بالحكمة والحسنى .. ويقول الله سبحانه وتعالى في صفات المؤمنين الصالحين من عبادة المكرمين : “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ” . ثم قال : “وإذا مروا باللغو مروا كراما” . ويتبين من هذا أن معاملة المؤمن حتى مع من لا يصاحبه ولا يحبه لفسقه أو عصيانه لأوامر الله تعالى يجب أن تكون حسنة ولينة ، وإلا عدم الكلام معه والإعراض عن لغوه وجهله وفسقه ، في أسوأ الظروف ، فلم يطلب الإسلام أن يواجه المسلم الإساءة بمثلها بل يطلب الإسلام منه مواجهتها بالحسنى والحكمة فيكون ذلك زجرا له عن بغيه ونسبا له ليعيد النظر في غيه .

بشروا ولا تنفروا

إن حسن المعاملة مع الناس أمر لازم في شتى مرافق الحياة البشرية ، وأن طبيعة الدعوة الإسلامية تقتضي المخالطة .. مع مختلف أصناف الناس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن أكرمه الله تعالى بالنبوة وأمره بالتبليغ عاش مع الناس وخالطهم ، وذهب إلى مجالسهم ومحافلهم يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وكذلك فعل أصحابه الكرام .. فكلما يزداد بعض الناس عن الحق ، وقربهم للباطل وتكالبهم على الماديات يشتد وجوب مساهمة كل مسلم مخلص في دعوة الناس إلى التمسك بالأخلاق الفاضلة والمثل العليا ، وإذا أراد النجاح في هذه المهمة فلا بد من التحلي بخلق حسن المعاملة وإلا سيكون سببا لتنفيرهم عن الإقبال على الحق واستكبارهم عن الالتفات إلى دعوته ونصحه .. ومن هنا وضع إمام الدعاة ونبي الرحمة القاعدة الذهبية في معاملة المسلم ومع الناس وخاصة في مجال إسداء النصح لهم وأمرهم بمعروف أو نهيهم عن المنكر فقال : “بشروا ولا تنفروا ، يسروا ولا تعسروا ” .

خلق الرحمة في المعاملة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاديا مرشدا للإنسانية جمعاء : “الراحمون يرحمهم الرحمن” وقال أيضا : “لا يرحم من لا يرحم الناس ” . ومن صفاته صلى الله عليه وسلم رحمته وشفقته على أمته فقال تعالى : “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ” .

ومن الإرشادات النبوية السامية في حسن المعاملة مع الناس .

هذه الأحاديث :

1 – لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .

2 – المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .

3 – لا تحاسدوا ولالا تفاحشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا .

4 – لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام .

5 – سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .

6 – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .

7 – من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربه من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة .

وهكذا يقف كل مسلم في أية ناحية من نواحي العالم على حالة أخيه المسلم في ناحية أخرى ، ويصفهم رسول الإسلام وصفا رائعا إذ قال : “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” …