مسؤولية الإنسان في مفهوم القرآن

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 24-نوفمبر -1986 م

إن الإنسان أشرف الكائنات وهو الذي اختاره خالق السماوات والأرض ومدبر الأمور في الكون كله ، ليكون خليفة له في الأرض ، ولم يقع هذا على ملك أو جن ، وبعد أن خلقه وصوره وأعطاه الملكات والمواصفات اللازمة لتولي منصب خلافة الله عز وجل في أرضه ، وعلمه ما أراد أن يعلم ثم عرضه على الملائكة فعجزوا عن مضاهاه آدم في علمه فأمرهم الله تعالى بسجود لآدم فسجد الملائكة كلهم أجمعون وهكذا بين الله تعالى فضل آدم على الملائكة ، وكفى لذلك دليلا ساطعا أيضا أن رب العزة قد اصطفى أشرف خلقه من بني آدم إلا وهو خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : وقد ترتب على هذا التفضيل ، وعلى هذا الاختيار للخلافة الربانية في الأرض وعلى أمر الملائكة كلهم – حتى جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وغيرهم من كبار عالم الملائكة – لأن يسجدوا لآدم تكريما لعلمه وتقديرا لمكانته كخليفة الله في الأرض ، ترتب على هذه التفضيلات والتكريمات ، أعلى درجات المسؤولية وأرفع مراتب التكليف لأن الفطرة تقضي تفاوت مستوى المسؤوليات حسب المناصب والوظائف والواجبات الملقاة على عاتق الإنسان وما دام الإنسان قد جعله الله عز وجل خليفة له في الأرض لتنفيذ أوامره وتطبيق شريعته وتكييف حياته طبقا للفطرة التي نظر الناس عليها ، وإقامة دينه ونظامه على وجه الأرض ، ثم جعل الملائكة الكرام يسجدون له ويكرمونه وجعلهم في خدمته دائما في مناصب عديدة ، لتكون حياته منظمة ومرتبة وهادئة ومطمئنة وهادفة فقد صارت مسؤوليته أعظم وأخطر .

وبناء على الحيثيات والكيفيات المذكورة قد أعلن القرآن الحقيقة مسؤولية الإنسان وماهيته بنصوص واضحة جلية بلا غموض ولا إبهام فيقول : “ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكمفي ما آتاكم إن ربك سريع العقاب” (الأنعام : 166) .

يقول أيضا : “وكل إنسان ألزمناه طئره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم حسيبا من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن يضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى” (الإسراء : 15) .
وبعد ذكر مسؤولية كل فرد عن نفسه مسؤولية مستقلة عن كل ما يصدر منه من فعل وعمل واعتقاد ، ينبهه القرآن إلى محاسبته عن كل موهبة من مواهبه وعن كل جارحة من جوارحه فقال : “إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا” (الإسراء : 36) .
ثم قال : “ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيئ أحصيناه في كتاب مبين” (يس : 12) . ويقول القرآن عن مسؤولية كل فرد عن كل لحظة من أوقات وعن كل حركة وسكنة من حياته ، مسؤولية مستقلة عن كل انتماء أو انتساب أو اعتذار أو تبرير : ” وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى وإن إلى ربك المنتهى” (النجم : 39) .

يقول عن دقة المسؤولية وحجمها وكيفها في ميزان الحساب الإلهي : “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” (الزلزلة : 8) .وهل هناك شيئ له وزن وحجم ادق من الذرة ؟ وهذه هي الحقيقة المرة التي ينبغي أن تتمكن في قلب كل إنسان له وعي وإدراك عن مكانته ومحاسبته عن طاقاته وقدراته وثرواته وعن عاداته ومعاملاته في هذه الحياة ! .

وأن الإنسان مسؤول عن كل نعمة من النعم التي يتمتع بها في هذه الحياة ، كما صرح به كتاب الله العزيز الحكيم : “لتسؤلن يومئذ عن النعيم ” (التكاثر) . وإذا فهم الإنسان هذه المخاطبة القديرة القوية الشديدة للانتباه إلى نظرة الإسلام السديدة إلى منهجه الذي وضعه وبينه له لأدرك تماما هو بنفسه مسؤول عن مصيره في الحياة الدنيا وفي الحياة الأخرى وقد خلص هذا المنهج الواضح الفكر الإنساني من أي اعتماد على الآخر أو انتظار منه وسائل نجاته وسعادته بدون عمله وكسب يده فلا رهبانية ولا غفرانية ولا استغاثة في الإسلام ،”فكل نفس بما كسبت رهينة” .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد” (الحشر : 18) .

من الهدي النبوي

“أنزلوا الناس منازلهم” (رواه أبو داود) .

من الأدعية المأثورة

“اللهم أغنني بفضلك عمن سواك” (الترمذي) .