متى وكيف تسربت عقدة النقص إلى نفوس العرب والمسلمين إزاء الغرب

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 6-مايو-1986 م

منذ بدأ العالم العربي والإسلامي يتدهور سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا ، وأخذ الغرب يسطو على معظم بلدان العالم العربي الإسلامي ويستولي على ثرواته ، ووصل الغربيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد إلى أوج القوة المادية والعلمية ، فانتشر بين العرب والمسلمين المغلوب عليهم شعور بالنقص والضعف وعدم الثقة بأنفسهم إزاء الغرب وكل ما هو غربي !! ومن ناحية أخرى أن هذه الغلبة السياسية والقوة المادية والنهضة العلمية قد أدخلت في نفوس الغربيين قدرا كبيرا من الغرور بأن العقلية الغربية هي العقلية المتفوقة وأن عقلية الشعوب الشرقية بسيطة وساذجة وخاصة العربية والإسلامية منها .

دور الاستعمار والاستشراق

وكان من المؤسف جدا أن علماء الغرب ومفكريهم ومؤرخيهم لم يسلموا من هذا الغرور وهم لم يحكموا إلا على ضوء ما رأوه بأعينهم وقرأوه من كتابات ومؤلفات بعض عملاء القوى والاستعمارية أو المنبهرين بها من ضعف الشعوب التي وقعت تحت تلك القوى وما سادها من جهل وتخلف وفرقة من جراء سياسة الاستعمار الغربي القائمة على فلسفتين : “فرق تسد” و”امتصاص دماء الشعوب الشرقية” وبعد أن تم استيلاء الغرب على أكثر أقطار العالم العربي والإسلامي عسكريا واقتصاديا بدأت محاولات الغزو الفكري والتحدي العقدي بقصد الانتقام من الإسلام وحضارته لأن أوربا لا تستطيع أن تنسى الحروب الصليبية ، ولا يخرج من ذاكرتها أن الإسلام بقوة مبادئه ونزاهة حضارته ودفعة تعاليمه القويمة الفطرية ، ظل يهددها في عقر دارها بضعة قرون ، وأوضح دليل مادي على عمق التعصب الديني الذي استمر لدى ساسة أوربا وقادتها العسكريين الكلمة المشهورة التي قالها اللورد “النبي” عندما دخلت جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الأولى بيت المقدس :

“الآن انتهت الحروب الصليبية” وأصبح التحامل على الإسلام وأهله غريزة موروثة تقوم على المؤثرات التي خلقتها الحروب الصليبية بكل ما لها من خلفيات وأهداف .

الكيد المرصود

ومن هنا بدأت الدراسات الغربية عن الإسلام وتاريخه تنمو وتتكاثف بقصد تبرير سياسة الاستعمار الغربي نحو الشعوب العربية والإسلامية ، وبهدف إثبات تفوق العقلية الغربية ودقة تفكيرها لكي ينتشر بين الأجيال الحاضرة والقادمة اعتقاد راسخ أن الحضارة الغربية تفوق جميع الحضارات في التاريخ وأن التفكير الغربي منطقي وسليم ، وأما الشعوب الأخرى ، وخاصة العربية والإسلامية ، فعقليتها بسيطة وساذجة ولا تدرك الأمور إدراكا كليا ، وقد أدركوا بطول باعهم في ممارستهم الاستعمارية والمخططات الكيدية تجاه الشعوب الإسلامية واحتكاكهم مع حكامهاا وقادتها وعامتها أن المواجهة الصريحة للمسلمين في عقيدتهم لن تحققق الهدف المنشود سوى استفزاز مشاعرهم وإيقاظهم إلى الكيد المرصوص لهم فيزيدهم تمسكا بهذه العقيدة ودفاعا عنها ولذلك لجأوا إلى خطة دس السم في العسل ، فيبدأون بتمجيد الإسلام وأهله أي سوء في النية ، وتخلي عن الانتباه واليقظة ، ففي هذه المرحلة يدس له السم وهو غافل ، وتحقن في غمرة هذا التمجيد الشبهات الغامضة والتشويهات الخفية التي توصل في النهاية إلى التشكيك في حقائق العقيدة الإسلامية ومبادئها الأصيلة .

تشويه التصور الإسلامي

وقبل أن يستفيق أحد الدارسين عن غفوته وغفلته ، وينتبه إلى عنصر الكيد فيما يقرأه من أعمال كتاب الغرب والمستشرقين المسيحيين ، يقوده الكاتب إلى جو الثقة الصادقة ، وإلى فكرة النزاهة العلمية الكاملة ، حتى إذا قيل له ، فكيف تنتظر من مستشرق غير مسلم أن يكون مخلصا في كل ما يكتبه عن الإسلام وحضارته ؟ وكيف تتخذ كتاباته مصدر المعرفة في عقيدة الإسلام ومسائله ، ومرجعا أصليا في الدراسات الإسلامية ؟ فيقول بكل ثقة وصدق نية : إنه يقدم لنا بحوثا علمية منهجية مستقلة ، بعيدة عن العواطف الدينية والتعصب العقدي ، ويردف هذا القارئ قوله : ” إننا نأخذ عن هؤلاء المستشرقين قد أدوا خدمات جليلة للمباحث الإسلامية بطريقة منظمة” ، وهكذا وصلت خطة كيدهم المنظم للإسلام وتاريخه وعلومه ورجاله إلى حد أن بعض المثقفين من المسلمين يثقون في كتاباتهم كل الثقة ولا يشكون في حيادهم وإنصافهم ، فيجعلونها مراجع لهم في الحوادث التاريخية والتحقيقات العلمية ، بل في البحث عن تصور الوحي والنبوة والعقيدة الإسلامية ، وأصول الدين ، وعن حياة رجال الإسلام البارزين الذين هم موضع القدوة وكل هذا وذاك دون فطنة إلى أن الهدف الخفي للمستشرقين والمبشرين الذين يحركهم الاستعمار الصليبي والتعصب المسيحي ، هو تلبيس العقيدة الإسلامية ، وتشويه التصور الإسلامي الصحيح ، والتشكيك في شخصيات ودوافع رجال الإسلام الكرام الذين ضحوا بنفسهم ونفيسهم في سبيل خدمة هذا الدين وإعلاء كلمة الله على وجه الأرض مخلصين له الدين .