قـوة العقيدة الاسلامية ومناعتها ضد تغلغل روح الانفصال والانهزام الى صفوف أمة الاسلام

قضية مصيرية

قـوة العـقيــدة الإسـلاميــة ومـنـاعـتــهــا

ضد تغلغل روح الانفصال والانهزام إلى صفوف أمة الإسلام

الشرق الثلاثاء 13-أكتوبر-1987م

إن أعداء الإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان ، يبحثون عن مواقع الاختراق إلى معاقل القوة في صفوفهم ، وعن مواطن الضعف في نفوسهم ولإضعاف الثقة بأنفسهم ولإثارة الشبهات والأضاليل الفكرية في أذهانهم بطرق شتى ، وفي مقدمتها ، بث البلبلة الفكرية ، ونشر الخرافات والخزعبلات في الأمور العقدية ، وذلك لإبعادهم عن مناعة العقيدة الإسلامية التي ترفض الذلة والهوان ، وتناهض الاستعمار والاستغلال بجميع أنواعه ، وأن اختراق الحاجز العقدي المنبع يؤدي إلى تسريب روح الوهن والضعف إلى نفوس العرب والمسلمين إلى انتزاع سلاح المناعة الذاتية من أيديهم ، وجعلهم أمة متمزقة الأوصال ، ومتشتة الأمال ومتفرقة الآراء والأفكار ، ومتخاذلة أمام المتربصين الطغاة ، فلينظر العرب والمسلمون إلى هذه القضية المصيرية بعين الاعتبار والانتباه قبل فوات الأوان في دورات الزمان .

تحديد مفهوم العقيدة في الإسلام

إن تحديد مفهوم العقيدة في نظر الإسلام أمر هام في مجال البحث عن التحدي العقدي الذي يواجهه العالم الإسلامي ، واستخدم عدد من الكتاب والمفكرين المعاصرين الإسلاميين مصطلحات عديدة متقاربة المفاهيم للدلالة على المعنى الشامل الذي يؤديه مصطلح “العقيدة الإسلامية” فهي مصطلح مستعمل منذ القديم يشمل كل ما يتعلق بأركان الإيمان من الإيمان بالله وصفاته وأسمائه والنبوات والأنبياء والرسل والملائكة واليوم الآخر والقضاء والقدر .

ومن المصطلحات التي حاولوا استعمالها لأداء معنى “العقيدة” في الاصطلاح الإسلامي مصطلحات “الفكر الإسلامي” و”التصور الإسلامي” و:الفكرة الإسلامية” و”المذهبية الإسلامية” وأخيرا وليس آخرا المصطلح الأجنبي “الأيدولوجية الإسلامية” وفي الحقيقة أن أيا من هذه المصطلحات الحديثة لا يؤدي إلى دلالة العقيدة في الإسلام ، فإن هذه العقيدة مصدرها الوحي الإلهي ، وليس فيها دخل للفكر الإنساني أو التصور البشري أو النظرية الإنسانية (الأيدولوجية) .

وإن الأمور العقدية في الإسلام جاءت وحيا في القرآن الكريم السنة النبوية وأن الأمور العقدية لم تصل إلينا عن طريق المفكرين والعلماء أو الزعماء والقادة ، وإنما وصلت إلينا عن طريق الأنبياء الذين يوحى إليهم من الله تعالى والذين ختمت رسالاتهم برسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي نزلت عليه الآية القرآنية في حجة الوداع يوم عرفة :”اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة : 3) ، وأما القرآن فهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ من التحريف والباقي إلى آخر الأبد ، والسيرة النبوية هي السيرة الوحيدة من سير الأنبياء التي قد سجلت ودونت بكل دقة وحيطة وإتقان باتفاق آراء العقلاء جميعا .

وأما تسمية ما هو وحي إلهي بالفكر الإسلامي أو الفكرة الإسلامية بل وأحيانا بالتراث الإسلامي وبالمصطلح الأجنبي “أيدولوجية إسلامية” فكل هذا وذاك قد جاء نتيجة التأثر بغزو النظريات العلمانية والأفكار الإلحادية الوافدة من الغرب إلى الشرق العربي الإسلامي .

العقيدة أساس الإسلام

وإن بناء الإسلام أساسه العقيدة وهذا الأساس يقام في أعز مكان في الإنسان وهو قلبه الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثلاث مرات “التقوى ههنا” (متفق عليه) وقال أيضا :ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” (متفق عليه) .

فالعقيدة الصحيحة كشهادة اللسان واعتقاد القلب ، هي مصدر الأعمال الصالحة وهذا هو سر اقتران العمل الصالح بالإيمان في عدة آيات قرآنية ، وبقدر ضعف قوة العقيدة تضعف قوة الأعمال وحماسها كما أنها منبع الهمة والشجاعة والمثابرة والتضحية والإيثار فهي الميزان الدقيق لأعمال الإنسان .

وبفضل هذه العقيدة غلب العرب المسلمون أقوياء الأرض حين انتصروا عليهم وبفضل قوة ومناعة هذه العقيدة أيضا قد صمدوا عندما واجهوا النكسة النكراء ، وحافظوا على كيانهم عندما تغيرت الظروف – لسبب أو لآخر – ودالت الدول وتبدلت المقادير وغلب الأقوياء عليهم فذاقوا البأس والمرارة بأيدي قاهريهم .

وأفردت هذه العقيدة الإسلام بميزة لم تعهد في أي دين آخر في تاريخ البشر ، ولهذا يفكر أعداء الإسلام ومناهضوه ، من كل حدب وصوب في اختراق الحاجز العقدي للعالم العربي الإسلامي ليدخلوا الوهن والضعف في روح العرب والمسلمين بزعزعتهم عن عقيدتهم التي تفرض الكفر والإلحاد والاستعمار والاستذلال والهوان ، ولا ترضى للقوة والعزة والكرامة بديلا .

موطن القوة للعالم الإسلامي

إن أعداء العالم العربي والإسلامي قد أدركوا جيدا – كما سبقت الإشارة إليه – أن موطن القوة لهذا العالم هو العقيدة الإسلامية التي هي منبع المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين ، وبزعزعة هذه العقيدة تنفصم العروة الوثقى بين أبناء الإسلام وتتمزق أوصالهم ولا تبقى لهم روابط الوحدة الفكرية والأخوة العقدية فتنتشر فيهم النعرات القومية والإقليمية وأفضليات المصالح الذاتية الضيقة على المصالح العامة القائمة على الإخلاص وصدق النية وخدمة المبادئ النبيلة ، وتحقيق الأهداف السامية المشتركة .

ويمكن القول – في ضوء الواقع الملموس والدراسة العلمية المرتكزة – أن التحدي العقدي الذي أطلقه – لا يزال يطلقه – المستشرقون والمبشرون خاصة ، وعلماء الغرب والصهاينة عامة ، قد حقق بعض أهدافه المنشودة ، ومنها نشر حالة من الركود الفكري والعجز عن معرفة الذات واستنفاد الطاقات في الأمور التافهة والمعارك الفكرية الجانبية وبث الشعور بعقدة التخلف في كل النواحي ، والتقدير الفائق لمظاهر الحياة الغربية وضعف الثقة في حضارة العرب والمسلمين وتراثهم .

وأن النتيجة الحتمية لهذا كله هي بث روح الشك في كل ما بين أيديهم من عقيدة وقيم ومنهج وتشريع .

ويؤكد التاريخ أن الصراع الفكري بين الإسلام والتيارات الفكرية القديمة كان قائما منذ العصور الأولى ، ولكن الفكر الإسلامي قد واجه تلك التحديات بقوة وصلابة حتى هضمها وتغلب عليها بالأسلحة الفكرية نفسها .

خطورة الشعور بالتخلف

في العصر الراهن يواجه العرب والمسلمون عزوات فكرية وتحديات عقدية بصورة أوسع وبأسلحة أفتك ، وليس أمامهم من سبيل إلا المواجهة بثقة بالذات وبدراسة عميقة وبخطة مدروسة ، ومن أوجب الواجبات في هذا الصدد – في نظري المتواضع – هو عدم إضاعة أوقاتنا النفيسة في تفاهات الأمور غير مكترثين ومنتبهين إلى دسائس الأعداء في مصارعتنا في عظائم الأمور التي تمس كياننا واستقلالنا الشخصي وكرامتنا الذاتية ، علما بأنهم يستمدون قوتهم من ضعفنا وانشغالنا بسفاسف الأمور ، وكذلك ينبغي لنا أن نتخذ من الهجوم الاستفزازي الذي نواجهه من جانب المستشرقين والمبشرين ، حافزا لنا على النهوض من رقادنا الفكري وركودنا الثقافي وعلينا أيضا أن نتخذ من شعورنا بالتخلف والعجز ، باعثا على تغيير أفكارنا وأسلوب حياتنا طبقا للمثل الأعلى القرآني الخالد الذي لا يتطرق إليه أدنى شائبة من الريبة إلا وهو قوله تعالى :”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد : 11) .

ويجب أت يوضع في الاعتبار عند كل خطوة تتخذ لتصدي التحدي العقدي الذي يواجهه المسلمون أن حركة الاستشراق وحركة التبشير المسيحي والحركة الصهيونية حركات متكاملة مناوئة للإسلام والمسلمين عامة ، والعالم العربي خاصة نظرا لموقعه القيادي للعالم الإسلامي الأوسع بمركزه الروحي والجغرافي وثقله السياسي ووزنه الاقتصادي الطبيعي الذي حباه الله تعالى به .

أساليب الغزو الفكري

ومن الأساليب التي يتبعها دهماء الاستعمار الغربي وفطاحل الاستشراق التبشيري لزعزعة العقيدة الإسلامية من نفوس العرب والمسلمين وطبعهم بطابع الفكر الغربي والثقافة الغربية تعريب الأفكار الغربية ومؤلفاتها ومصادرها لكي يتذوق القارئ العربي الأفكار التي يريدون ترويجها والثقافات التي يحاولون سترها بلغته التي يقدر عليها ويجيد فنونها وآدابها بعيدا عن شبهة التشبت باللغات الأجنبية وبطريقة سريعة ونشيطة ، وقد وضعوا لتنفيذ هذه الأساليب خطة مرسومة بعد دراسة وافية للمواقف على أساس التطور والتدرج .

ومن الأساليب التي تتبعها تلك الخطة المرسومة المحكمة خيوطها الاتصال بشتى الطرق والوسائل بالهيئات الثقافية والجهات الأدبية والفنية ، وكذلك إنشاء جمعيات الصداقة وعقد الاتفاقيات الثقافية باسم التبادل الثقافي والفني وترجمة الأعمال الأدبية والفنية على أستس التبادل أو المعاملة بالمثل وبالتالي تأليف لجان الترجمة وتبادل المؤلفات المطلوب ترجمتها ، وبهذا الأسلوب استطاعت عدة مؤلفات خطيرة وضعها المستشرقون المبشرون تارة والصهاينة والمستعمرون تارة أخرى ، أن تترجم إلى العربية تحت ستار الثقافة أو خلق حجاب الحضارة والعلوم .

وعلى الرغم من وفرة النماذج لهذا النوع من المطبوعات المترجمة المدسوسة بأفكار فتاكة لكيان العالم العربي والإسلامي وكثرة المصادر والمراجع المساعدة على جمعها وتصنيفها أود أن أشير هنا إلى مطبوعين فقط من هذا القبيل ، أحدهما : كتاب (قصة الحضارة) لمؤلفه “ول ديورانت” وقد قامت اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية بترجمته ونشره باللغة العربية بتوجيه هيئة اليونسكو ، وأصدرت اللجنة الثقافية المذكورة أجزاء عديدة من هذا الكتاب ، وثانيهما : “مختارات من إمرسون” ، وقد تناول الأستاذ الباحث الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) هذين الكتابين وغيرهما من بعض الكتب الهامة التي ترجمتها إلى اللغة العربية ، اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية بمعرفة القسم الثقافي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة وكذلك بهيئة اليونسكو بنقد وتقييم وأرى من المناسب والمفيد أن اقتبس منه مقتطفات لها صلة وطيدة بهذا الموضوع الذي نحن بصدده ، فيقول : تقوم اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية على ترجمة عدد من الكتب الأوروبية والأمريكية إلى العربية وتنفق على طبعها ونشرها ، فما هي الصفات والمميزات التي تتوخاها اللجنة فيما تختاره للترجمة من هذه الكتب ؟ لا شك في أن الميزة التي ينبغي أن تراعي في اختيار هذه الكتب هي مصلحة العرب ، وذلك باستكمال ما ينقصهم وتدارك ما فاتهم مما سبق إليه غيرهم ، فكان سبقه فيه سبب تفوقه وسيادته ، وكان تخلفنا فيه سبب ضعفنا واستعبادنا ، ولا شك في أن العرب أنفسهم هم أقدر الناس على إدراك ما يصلحهم وهم أحرص الناس عليه ، فليس من المعقول مثلا أن نكل أمر هذا الاختيار إلى إحدى دول الاستعباد الغربي مثل أمريكا أو انجلترا أو فرنسا أو اسبانيا او هولندا أو بلجيكا ثم نطمع أن يرشد خبراؤهم العرب مخلصين إلى ما ينفعهم ، وما يترتب عليه استغناؤهم عن خبرائهم ، واستقلالهم باستغلال خيراتهم ، إن من غير المعقول أن تخلص دولة من دول الاستعباد فيما تنصح به للعرب من اختيار النافع من الكتب الذي يؤدي إلى نهضة حقيقية ، وليس من الإنصاف أن نؤاخذهم على التقصير في ذلك أو الغش فيه ، فلا ينبغي أن نتوقع منهم أن يخربوا بيوتهم بأيديهم ، والعرب وحدهم هم الأمناء على مصالحهم لا يصلح للقيام عليها سواهم ولا يؤتمن على هذه الأمانة غيرهم ، فاختيار الكتب التي نترجمها إلى العربية يجب أن يوكل إلى علماء العرب وحدهم ، (كتاب “حصوننا مهددة من داخلها” للدكتور محمد محمد حسين ص 120 طبع بيروت) .