في رحاب ذكرى مولد صلى الله عليه وسلم : قلبه الرحيم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 9-نوفمبر -1986 م

لقد نص القرآن الكريم على أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إنما هو “الرحمن المهداة” من رب العالمين إلى كل الكائنات ، أنه المثل الأعلى في نماذج الرحمة في شتى مظاهرها وجوانبها وملامحها ، وأن حياته منبع فيوضات الرأفة والرحمة والعطف ، ومن أراد أن تكون حياته متسمة بخصال الرحمة ومعاملاته متصفة بروح المودة والرحمة فما عليه إلا أن يغترف رشفات من ينابيع هذا النبي صلى الله عليه وسلم الفياضة ، ويقتبس قبسات من أشعته الوضاءة النفاذة إلى القلوب والأخاذة بالألباب ، فقال : “لقد جاءكم رسول من أنفسهم عزيز عليه ما عنتم وحريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” (التوبة : 128) .

ثم أعلن هذه العقيدة الجلية الناصعة مخاطبا الرسول الكريم ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) .

ومن الأمثلة العملية التي كان الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يعلم بها حياة الرحمة والرأفة والمودة لأمته ما يلي : “وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وعنده الأقرع بن حابس ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا فنظر إليه رسل الله صلى الله عليه وسلم فقال : “من لا يرحم لا يرحم” (متفق عليه) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : “قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبلون صبيانكم ؟ فقال : نعم ، قالوا : لكنا والله ما نقبل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أو أملك أن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة ” (متفق عليه) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر جوانب الرحمة والخفة ويمنع جوانب الشدة والقوة في كل شيئ كما أنه يأمر دائما بالتزام الرفق واللين في المعاملات كلها ، سواء في العبادات أو أعمال الطاعات فقال بكل صراحة ووضوح : “إن الرفق لا يكون في شيئ إلا زانه ولا ينتزع من شيئ إلا شانه” (رواه مسلم) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وذا الحاجة ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء” (متفق عليه) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها ، فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه” (رواه البخاري) .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في معاطفة الضعفاء والمساكين ، وملاطفة اليتامى والأرامل ، وقال : “الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، وكالقائم الذي يفتر ، والصائم الذي لا يفطر ” (متفق عليه).

وقال في حديث آخر : “بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء” (متفق عليه)، وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “من عال جاريتين حتى تبلغا ، جاء يوم القيامة أما وهو كهاتين” وضم أصابعه (المراد بجاريتين بنتين له أو من بنات المساكين والضعفاء) رواه مسلم .

وقال الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام في شأن الرأفة باليتيم ، :”أنا وكافل اليتيم هكذا” وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما. (رواه البخاري) . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بشدة واستمرار بالنساء خيرا وحسن المعاملة لأن بعض الرجال يعاملون بالقسوة معهن ويستغلون ضعفهن ورقة قلوبهن فقال في حجة الوداع : “ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم” (رواه الترمذي) . ثم قال : “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائه” (الترمذي) . وهكذا كان قلبه يرن بالرحمة إلى كل شيئ فيه شائبة الضعف فأعلن ” الراحمون يرحمهم الرحمن” .!

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“واخفض جناحك للمؤمنين” (الحجر : 88).

من الهدي النبوي

“فإن تنصرون وترزقون بضعفائكم” (البخاري) .

من الأدعية المأثورة

“اللهم إني أسألك الهدى والسداد” (رواه مسلم) .