في رحاب القمة الإسلامية : القرآن يأمركم : فأصلحوا بين أخويكم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 28-يناير-1987 م

لقد أرسل رب العالمين الأنبياء والرسل وأنزل عليهم الصحف والكتب ليهدي عباده إلى الصراط المستقيم الذي يؤهلهم إلى الفلاح في الحياة الدنيا ويؤهلهم للفوز في الحياة الآخرة بالنعيم المقيم ، وتهدف كل الرسالات وجميع الكتب الإلهية إلى تحقيق الخير والرفاهية للإنسانية فقط لأن خالق السماوات والأرض غني عن العالمين ، وأن الرسالات الإلهية قد اختتمت واكتملت ببعثة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه أفضل الكتب وأخلدها نورا وهدى ونبراسا للناس في جميع مرافق الحياة البشرية ، وأن القرآن يدعو الناس إلى نظام كامل فطري يبني به أمة حية وناهضة ، متحدة وقوية لا تعرف الضعف أو الوهن في أي مجال من مجالات الحياة البشرية ويشير القرآن إلى طبيعة دعوته وغاية نزوله ، فيقول : يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون” (الأنفال : 24) .

وقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المحكمة المعجزة وبكل إيضاح وإفهام وإتقان ، لكل من له قلب واع ، وعقل سليم ، أن دعوة الإسلام إنما هي مبعث الحياة الحقة الصحيحة لأمته ، وأن دعوته تهدف بكل المعايير والمفاهيم إلى خلق أمة حية ناهضة بمعنةى أن الأمة التي تتمسك بمبادئ نظام الإسلام وتعاليم كتابه ألا وهو القرآن وبإرشادات نبيه وقدوته هو وأصحابه العظماء لن تكون أمة وهن وضعف أو مجتمع جبن وهوان بل هي أمة قوة ومتانة ، ومجتمع همة وعزة ، في جميع المجالات في شؤون الحياة ، وقد وصف القرآن دعوته بأنها دعوة حياة وكرامة وان كل تشريع وتنظيم وتعليم ورد في القرآن والسنة لإحياء الأمة الإسلامية من الرقاد والغفلة ، والغرور والنشوة بتوافه الأمور والانشغال بسفاسف الأهداف الفانية الزائلة والتكالب على متع الحياة الرخيصة التي لا تليق بأخلاق الأمة المثالية .

وبعد أن بين طبيعة وخاصية نظام الإسلام في بناء الأمة وجعلها أمو حية وواقعية كما هو واضح وجلي من قوله عز وجل :”إذا دعاكم لما يحييكم” ، فإن هدف الإسلام إنما هو تكوين أمو حية ولن يكون إلا كذلك لأنه بيان رب العالمين في كتابه العزيز بالنص المبين فيجب أن يعيد كل مؤمن إلى ذهنه يقينا أن صفات الأمة الحية الناهضة تتوفر للمسلمين إذا التزموا بتعليم القرآن وإرشاداته الربانية ، يتأخرون عن هذه الصفات وبالتالي يتخلفون عن الحيوية والنهضة الحقيقية ، إذا ابتعدوا عن تعاليمه وإرشاداته وكلما يبتعد المسلمون عن هذا النبراس القويم ، ويتهافتون على سفاسف الحياة وينبهرون بلمعان المادة والماديين ويمخرون في بحار الفساد والفسق والفجور ، تتنزل عليهم النقمة وتتبدل لهم النعمة وتتسرب إلى صفوفهم جراثيم الفرقة والشقاق وتشتد بينهم الخلافات والمنازعات فيفشلونفي الحياة وتذهب ريحهم ويصبحون أضحوكة للأمم الأخرى .

وإلى هذه الحقيقة الفطرية المرة ينبه رب الناس أمة القرآن في آيات بينات عديدة فيقول “ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب” (البقرة : 211) . ثم يقول :”ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا” (إبراهيم : 28) . ويقول هاديا ومرشدا ومحذرا ومنذرا لأمة الإسلام في كل زمان ومكان : “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم” (محمد : 38) .

وأن أخص خصائص الأمة الإسلامية ، وأهم مقوماتها وأقوى دعائم عزتها وكرامتها هو حياة الأخوة لأن الأخوة مصدر القوة في كل زمان وفي كل الظروف والبيئات وبحياة الأخوة أنقذ الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أمة الجاهلية من ضلال العصبيات ومن هوان القبليات ومن فتن الخلافات والصراعات المهلكة وجعل منها أمة صالحة ناهضة قدوة للأمم الأخرى في الدنيا في جميع المجالات ووصفها رب البشر : “كنتم خيرر أمة أخرجت للناس” ، وقد تحققت لها هذا النعمة الكبرى والميزة المثلى بفضل حياة الأخوة كما صرح به القرآن الكريم : “فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا” (آل عمران : 103) . وبالأخوة سادوا وقادوا وهادوا الدنيا وبالتهاون فيها ضعفوا واستكانوا في الدنيا ! .

فأصبح لزاما على قادة الأمة وسادة المجتمع ودعاة الحق أن يسارعوا إلى الإصلاح بين الأخوة المتخاصمين ويدركوا أن هذا الإصلاح فرض عين على كل منهم ، في أعلى المستويات ، كما هو فرض على كل مسلم في دائرة تخصصه ونطاق حدوده .

وهذا بنص القرآن وليس باجتهاد أحد من الخلق ، فينبغي على قادة القمة أن يبذلوا كل جهد وهمة لتنفيذ هذه المهمة في هذه الظروف المدلهمة في مسار تاريخ الأمة فيقول رب الناس آمرا ومنذرا :

“إنما المؤمنون لإخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” (الحجرات : 10) .