فضل صيام ستة أيام من شوال

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 7-يونيو-1986 م

وردت أحاديث نبوية عديدة وآثار السلف الصالح الكثيرة في بيان فضل وشرف صيام ستة أيام من شوال من اليوم الثاني منه لأن اليوم الأول عيد الفطر فهو من الأيام المحظور صيامها حسب السنة الصحيحة ، ومن الأحاديث الواردة في إثبات فضله وتأكيد سنته ما رواه الإمام مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” ، وفي رواية للطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” .

من فوائد صيام شوال

ذكر العلماء أن صيام شوال وكذلك صيام شعبان أي ما قبل فريضة رمضان وبعده كصلاة السنن الرواتب قبل الصلوات المفروضة وبعدها لأن ذلك يجبر ويكمل ما حصل في الفريضة من خلل ونقص ونسيان وغيره فإن الفرائض تكمل أو تجبر بالنوافل يوم القيامة ، وقد أوردوه روايات من وجوه متعددة تدل على هذا المعنى وهذه الحكمة وراء تشريع النوافل قبل الفرائض وبعدها ، ولا شك في أن أكثر الناس في صيامه للفرض يتعرضون لبعض النقائص والخلل والإهمال والنسيان فيحتاجون إلى ما يجبره ويكمله من أعمال وطاعات إضافية .

ومن فوائد كذلك أن الأعمال التي كان المؤمنون الصادقون يتقربون بها إلى ربهم في شهر رمضان لا نتقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ماداموا على قيد الحياة ، وبينما يفرح البعض بانقضاء شهر رمضان لاستقبال الصيام عليهم لطوله وتعبه ، يشتاق البعض إلى معاودة الصيام ويرغب فيه ولا يستثقله ولا يكرهه فالعائدون إلى الصيام بعد فطرة يوم عيد الفطر هم الذين أخذوا دروس التقوى والعبادة من خلال رمضان ، ويقبلون بشغف على معاودة صيام ستة أيام في شوال حسب السنة الرشيدة شكرا لنعمة الله تعالى عليهم بأداء فريضة رمضان وزكاة فطره واستحقوا النيل جائزة الفائزين فيه ومغفرة ما تقدم من الذنوب وما تأخر ، فما أعظم هذه النعم أو ما أحقه من شكر وذكر ودعاء عقب توديع ذلك الموسم الرباني والشهر الفرقاني .

علامة على قبول صيام رمضان

قال بعض الحكماء الصالحين إن الإقبال على صيام ستة أيام من شوال عقب إكمال صيام رمضان علامة على قبول صيام رمضان فإن الله سبحانه وتعالى إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده لأن ثواب الحسنة عند بعض العارفين ، وهو التوفيق لفعل الحسنة بعدها ، فالذي عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة على رد الحسنة وعدم قبولها ، ولعل هذا هو السر الكامن في التعبير النبوي في الحديثين المتقدمين وفي الحديثين التاليين بلفظ :”أتبعه” وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، مرفوعا أنه قال :”من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر” (رواه البزاز وغيره) وروى أحمد والنسائي عن ثوبان مرفوعا أنه قال :” صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة” ، وإنما كان صيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعادل صيام الدهر ، كما ورد في حديث مسلم والبزاز ، لأن الحسنة بعشرة أمثالها ، فقد كان حديث ثوبان مفسرا المغذي التعبير النبوي : “كصيام الدهر” أو “فكأنما صام الدهر” .

حكم قضاء من شهر رمضان وستة من شوال

اختلف الفقهاء حول كيفية صيام ستة أيام من شوال لمن كان عليه قضاء من شهر رمضان ، وهناك ثلاثة آراء اجتهادية في هذا الباب لعدم ورود نص صريح في مصادر التشريع الإسلامية ، من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، فالرأي الأول يقول إنه ينبغي لمن كان عليه قضاء من شهر رمضان أن يبدأ بقضائه فورا في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته ثم يصوم ستة أيام من شوال ، وأما الرأي الثاني فهو أن الذي عليه قضاء من شهر رمضان يكفيه أن ينوي قضاء الفريضة مع ستة شوال فتبرأ ذمته من أداء ما عليه من قضاء من أيام رمضان ويحصل على ثواب صيام ستة أيام من شوال ، وأن الرأي الثالث هو جواز تأخير قضائه من رمضان إلى أن يفرغ من صيام ستة من شوال – والله أعلم .

تنبيه بمناسبة انتهاء رمضان

من الملاحظ في كل مكان في العالم لا في هذا العصر فقط بل في جميع العصور وخاصة بعد انقضاء خير القرون من السلف الصالح ، أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا وتصدقوا وأقاموا موائد الإفطار والسحور بتوسع واهتمام ، فإذا انقضى رمضان عادوا إلى ما كانوا عليه قبله من ترك الصلاة وفعل المعاصي ، وتركوا الاجتهاد في العبادات والأعمال الصالحات ، وقيل لبعض الصالحين في شأن هؤلاء المنسلخين فقال : إنهم بئس القوم لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان ، أو لم يعلموا أن رب الشهور واحد وأن الله مطلع عليه في كل زمان ومكان فليتوبوا إلى الله توبة نصوحا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل وأن المعاصي حرام في كل وقت لا في رمضان فقط وأن الواجبات لا بد أن تؤدي كاملة في كل زمان ومكان في مدار السنة كلها .

وشدد بعض الصالحين فقال :”من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود ، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ، ثم يعود كذلك فصومه عليه مردود وباب القبول في وجهه مسدود فيا أيها المؤمنون الصائمون ! اشكروا من أنعم عليكم بتوفيقه للصيام والقيام وأداء زكاة الفطر وتوزيع الصدقات والخيرات على الفقراء والمساكين من أقاربكم وجيرانكم والعاملين عندكم والكادحين في مرافقكم ، وفتح عليكم باب الرحمة والغفران والعتق من النيران ، ولا تقنطوا من رحمته أبدا لسوء أفعالكم في الماضي ، وأحسنوا الظن بمولانا العظيم فهو الذي قال : “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم” (الزمر : 53) كل عام وأنتم بخير !! .