فضل العرب والمسلمين في تقدم الجغرافيا الرياضية

الخليج اليوم – قضايا انسانية -17/9/1985

رأينا في المقال السابق المساهمة الكبيرة الهامة التي قام بها العلماء العرب والمسلمون في تقدم الجغرافيا الوصفية ” وذكرنا نماذج من المصنفات الجغرافيا الهامة التي وضعها المسلمون في مختلف العصور الذهبية للحضارة الإسلامية . ومنها كتاب : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد المقدس ومن أشهر جغرافيي الإسلام الذين نبغوا في القرن الثاني عشر للميلاد “الشريف محمد بن محمد الإدريس الصقلي ” الذي وضع كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ” ، بناء على طلب من حاكم صقلية “روجر” ورتبة على الأقاليم السبعة وأورد فيه أوصاف البلاد والمماليك مع بيان المسافات بالميل والفرسخ .

ويعتبر الإدريسي نقطة الالتقاء بين جغرافي المسلمين وجغرافيا الأفرنج . فترجم كتابه إلى اللاتينية سنة 1694 م ، ثم ترجم إلى الفرنسية سنة 1836م وطبع ببباريس ، وهو أكثر الكتب فيي هذا الفن تداولا بين الأوربيين .

بداية الجغرافيا الرياضية ..

وفي نحو عام 828م أمر الخليفة المأمون بقياس درجة من الهاجرة لاستقراء جرم الكرة الأرضية . وقام بهذا العمل أربعة من علماء الجغرافيا . وقال أبو الندا في معرض الكلام عن فضل المسلمين في تقديم العلم الجغرافي الرياضي ، : “قد قام بتحقيق حصة الدرجة طائفة من القدماء كبطليموس صاحب المجسطى وغيره فوضعوا حصة الدرجة الواحدة من الدائرة العظيمة المتوهمة على الأرض ستة وستين ميلا وثلثي ميل ، ثم قام بتحقيق طائفة من الحكماء المحارثين في مسجد المأمون حضروا بأمره في برية “سنجار” وافترقوا فرقتين بعد أن أخذوا ارتفاع القطب في المكان الذي افترقوا منه .

وأخذت إحدى الفرقتين في المسير نحو القطب الشمالي والأخرى نحو القطب الجنوبي . وساروا على أشد ما أمكنهم من الاستقامة حتى ارتفع القطب للسائرين في الشمال والخط للسائرين في الجنوب درجة واحدة ثم اجتمعوا عند المفترق وتقابلوا على ما وجدوه فكان مع إحداهما ستة وخمسون ميلا وثلث ميل ، ومع الأخرى ستة وخمسون ميلا بغير كسر ، فأخذ بالأقل وهو ستة وخمسون ميلا . .

وهذا أحد الأمثلة الذي ذكره أبو الفدا من أعمال عللماء الجغرافية المسلمين الذين قاموا بها في عصر أحد الخلفاء العباسيين ، وإذا درسنا مصنفات العرب والمسلمين في الجغرافية الرياضية نرى بينها وبين مصنفات الأوربين في هذا الفن تفاوتا كبيرا لأن المسلمين كانوا أكثر تحقيقا وضبطا واكتشافا ، حتى أن العلماء المتأخرين من الغرب يفضلونهم على بطليموس في التحقيق والضبط في الأزياج وفي اطوال وعروض البلدان .

تصنيف القواميس الجغرافية…

وقد أجاد العرب والمسلمون في تقويم الطرق والمسالك وبنوا المسافات على أحسن أسلوب في مصنفاتهم الجغرافية وقد أحرزوا السبق في تصنيف القواميس الجغرافية ، ولم يتقدم الرومان ولا اليونان إلى مثل ذلك في القرن السادس للميلاد إذ صنف أحدهم قاموسا مختصرا للأعلام الجغرافة وأما أول قاموس جغرافي عند الأوربيين فهو ما وضعه “أروتليوس” في القرن السادس عشر ..

وهكذا سهل علماء الجغرافية المسلمون طرق المعارف الجغرافية ووسعوا مداركهم وأضافوا إلى الحضارة الإنسانية تراثا ضخما في هذا الميدان .

وجدير بالذكر أن عالما عربيا جغرافيا قد تجول في البلاد المختلفة واستمر فيها ثمانية وعشرين (28) سنة وذلك من سنة 942 – 970 م ثم دون معلوماته واكتشافاته في كتاب سماه “المسالك والممالك” ألا هو : أبو محمد بن العلي الموصلي الرحالة المعروف باسم : “ابن حوقل” المولود في بغداد ونشأ بها .

وهذا الكتاب مختص بالجغرافيا ، وقد حرص علماء الغرب على اجتناء فوائده ، وطبعوا هذا الكتاب في “ليدن” سنة 1873 م كما ترجم إلى الألمانية في نفس العام .