عناصر الخلود في دعوة الإسلام (5) موقف الإسلام من الأديان الأخرى

الدعوة – 1-سبتمبر-1981 م – دلهي – الهند

( 5 ) موقف الإسلام من الأديان الأخرى .

أن صرح الإسلام لمبنى على أساس التوحيد – توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتتجلى مظاهر هذا التوحيد على سائر العقائد والعبادات لأن الإسلام دين فطرة شامل لأصول جميع الرسالات السابقة عليه ومعترف بكل نبي أو رسول من آدم إلى محمد خاتم رسل الله ، وإن أمة الإسلام هي الجنس البشري كله ، ولا يوجه دعوته إلى جنس خاص ولا طائفة معينة ولا لبلد دون آخر ، ويؤكد القرآن هذه الحقيقة فيقول : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” . “قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا” . “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله ولا نفرق بين أحد من رسله ..” .

ولا فرق تحت راية الإسلام في إقامة العدل التام وإقرار الأمن والطمأنينة ومنع الظلم والاعتداءات على النفس والمال والعرض وكذلك في نشر العلوم والثقافات بين شخص يعتنق تعاليمه الخاصة وبين من يعتنق دينا آخر ، ويهدف الإسلام إلى تحقيق الوحدة الإنسانية مع الأمن والطمأنينة والرفاهية في ربوع العالم كله ، ويحب أن ينظر إلى كل إنسان قل كل الاعتبارات من حيث إنه إنسان فقط ، لأن الإنسانية فوق كل اعتبار في نظر الإسلام بل الإنسانية الحقة التي فطر الناس عليها خالق البشر والقوى هي الإسلام الحي ، فيهدف الإسلام بهذه الفكرة إلى تحقيق وحدة الإنسانية عامة متكاملة تحت راية العدالة والمصالح العامة والتضامن والتعاون الفطريين الإنسانيين .

وعلى هذه الفكرة السامية قامت الدولة الإسلامية الأولى في عصور انبثاق فجر الإسلام وكانت الفوارق الجنسية والقومية والوطنية تتلاشى أمام هذه الغاية العليا وكان أن ساد الأمن والطمأنينة في العالم ، وشاعت الرفاهية والسعادة في النوع الإنساني كله وانتشرت الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة في البلاد التي صارت تحت هذه الفكرة الإسلامية الراسخة في نفوس الملايين من البشر ، ثم جاء من بعدهم خلف انحرفوا عن تعاليم الإسلام الحقة واتبعوا الشهوات والأهواء فتسربت العصبيات والقوميات ونعرات الفرقة إلى قلوبهم الجامدة وعقولهم الرجعية فضلوا وأضلوا كثيرا ، ثم ضاعوا وأضاعوا فصاروا وصمة عار في جبين الإسلام لأن الناس أخذوا يتعلمون تعاليمه بجهلهم قواعد البحث والتحقيق وضوابط الحكم على الدين من أعمال المنتمين إليه وأقوالهم ومعاملاتهم والإسلام منهم برئ مع أن دستور الإسلام هو كتاب الله وسنة رسوله لا أقوال هؤلاء ولا أعمالهم .

موقف الإسلام من الطبقية

“الناس سواسية كأسنان المشط” ، “ولا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى” ، “وكلكم من آدم وآدم من تراب” ، بهذا المبدأ النبيل يسعى الإسلام لعلاج الأحقاد والأضغان ولتجنب الحروب والكروب في العالم الإنساني ويعلن أنه لا يستتب السلام والأمن في الدول إلا بتنفيذ هذا المبدأ القيم الفطري بين الجنس البشري .

وإذا ألقينا نظرة عامة على صفحات تواريخ المم الماضية وقمنا بتطواف سريع حول تواريخ البلاد التي فشت فيها الأحقاد والفتن واشتعلت فيها نار الحروب والمحن نجد أن الثغرة الوحيدة التي تسربت منها هذه المهلكات لمقومات الإنسانية هي الفوارق الطبقية والتفاوت الشائع بين طبقات الأمة مثلا كانت الأمة الرومانية منقسمة إلى طبقات عليا وسفلى ، وخاتم ومحكومة وكانت الأمم الهندية بل ولا تزال – مع أن الحكومة الحالية منعت الفوارق الطبقية واللونية رسميا- منقسمة إلى طبقات متفاوتة في الدرجات مثل الطبقة البرهمية والطبقة المنبوذية فلا يجوز التزاوج بينهما ولا الاختلاط مع وجود قانون رادع عن هذه التفرقة ، ومن العجيب بل المدهش أن نرى هذه التفرقة غير الإنسانية وهذه العقلية الرجعية منتشرة ومستغلة في قلوب المتزعمين للديمقراطية والعدالة الدولية ، سيما في القرن المتحضر العلماني المزعوم ، ونسمع ونقرأ صباحا ومساء الأنباء التي ترد من عواصم البلاد المتحضرة المتزعمة للحرية من اضطهاد الزنوج والهنود الحمر باسم اللون وتحريم المعاشرة والمخالطة بين إنسان أسود وأخيه الإنسان الأبيض مع أن كل المقومات الإنسانية وميزاتها متساوية في كليهما .

أما الإسلام فقد هدم بادئ ذي بدء هذه العقلية غير الإنسانية من أساسها ، يمهد القرآن الكريم لهدم هذه الفكرة الجاهلية والتفرقة الاستعمارية بقوله : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” .

ثم يقر الإسلام بجميع قواه إن كل إنسان لا يتجاوز دائرة العبودية لله تعالى مهما بلغ إلى حد الكمال الإنساني ، ومهما أوتي من علم وقوة ومال فلا يتغلغل في دائرة الألوهية – والخالق هو الله الواحد القهار والمخلوقات بجميع أنواعها عبيد له وليس للحاكم سلطة مطلقة على المحكوم إلا تنفيذ أمر خالقهما وليس للمحكوم إلا تنفيذ أمره أيضا فالحاكم والمحكوم مطيعان منقادان – لحاكم أعلى وأكبر منهما ، وعلى هذه النظرية الطبيعية أسس الإسلام قواعده وأقام دولته ونشر دعوته وجعل من الأمم المتخالفة والشعوب – المنقسمة إلى طبقات وقبائل ، ومتفرقة إلى أحزاب وشيع ، أمة متحدة مثقفة أخوة متحابة متعاونة ، وقد آن الأوان لرجوع العالم الإسلامي أولا والعالم الإنساني كله ثانيا إلى هذا المبدأ النبيل والهدف المنشود ليتخلص العالم من الويلات والكروب والفتن والحروب – فيسود الأمن والمطأنينة في بقاع الأرض وتعم السعادة ، أفراد الأمم والشعوب .