عناصر الخلود في دعوة الإسلام (12)

الدعوة – 15-يوليو-1982 م – دلهي – الهند

مشروعية القتال لتحقيق الحرية والسلام .

إذا كان الإسلام دين السلام ودين الرحمة فما موفقه من فكرة الحرب والقتال ؟

الإسلام شريعة السلام ودين الرحمة وما في ذلك شك ولا يخالف في هذا إلا جاهل بأحكامه أو حاقد على نظامه أو مكابر لا يقنع بدليل ولا يسلم ببرهان ، فاسم الإسلام مشتق من صميم هذه المادة ، مادة السلام والمؤمنون بهذا الدين لم يجدوا لأنفسهم اسما أفضل من أن يكونوا مسلمين ، وتحية أهل الإسلام فيما بينهم : السلام عليكم وختام الصلاة عندهم سلام ولن يتأخر المسلم عن الاستجابة لدعوة السلام ولن يردها أبدا ، وأن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ، وليست في العالم شريعة دينية ولا نظام اجتماعي فرض السلام تدريبا عمليا واعتبره شعارا من شعائره وركنا من أركانه كما فرض الإسلام ، أن الغرض من الحكومة الإسلامية تحقيق الأمن والطمأنينة والاستقرار في العالم ، ولكنها مع هذا تواجه الواقع ولا تفر منه ، ومادامت في العالم نفوس لها نوازع وأهواء ومطامع وما دام هناك هذا الناموس الفطري الذي يطبق على الأفراد والجماعات على السواء ، ناموس تنازع البقاء ، فلا بد إذن من الاشتباك والحروب وحين تكون الحرب لردع المعتدي ووقف الظالم كفه ونصرة الحق والانتصاف للمظلوم فضيلة من الفضائل تنتج الخير والبركة والسمو للناس وحين تكون تحيزا وفسادا في الأرض واعتداءا على الضعفاء تكون رذيلة اجتماعية تنتج السوء والشر والفساد في الناس ، ومن هنا جاء الإسلام يقرر هذا الواقع ويصوره فيقول دستوره :- ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ويقول :”ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره” ، وفي الوقت الذي يقرر الإسلام فيه هذا الواقع يحرم الحرب ويسمو ولا يدعو إليها أو يشجع عليها إلا للأغراض الآتية :-

1 – رد العدوان والدفاع عن الأهل والمال والنفس والوطن والدين ويقول دستور الإسلام :وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ” وأيضا يقول : إن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، وكذلك جاء في قول الرسول : من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد (رواه الترمذي) .

2 – إغاثة المظلومين أينما كانوا الانتصار لهم من الظالمين وفي ذلك يقول تعالى وأن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير..

3 – تأديب ناكثي العهد من المعاهدين أو الفئة الباغية على جماعة المؤمنين التي تتمرد على أمر الله وتأبى حكم العدل والسلام ، كما في القرآن وأن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ، ألا تقاتلوا قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهو بدأوكم أول مرة .

4 – تأمين حرية الدين والاعتقاد بقوله ، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين .

5 – حماية الدعوة حتى تبلغ إلى الناس جميعا ويتحدد موقفهم منها تحديدا واضحا وذلك أن الإسلام رسالة اجتماعية إصلاحية شاملة تنطوي على أفضل مبادئ الخير والعدل وتوجه إلى الناس جميعا كما قال تعالى لنبي الإسلام ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا” فلا بد من أن تزول من طريقها كل عقبة تمنع من إبلاغها ولا بد أن يعرف موقف كل فرد وكل أمة بعد هذا البلاغ ، وعلى ضوء هذا التحديد تكون معاملة الإسلام وعهده للناس ، فالمؤمنون إخوانهم والمعاهدون لهم عهدهم وعهد الذمة يوفي لهم بذمتهم ، والأعداء المحاربون ، ومن تخشى خيانتهم ينبذ إليهم فإن عدلوا عن خصومتهم فيها وإلا حوربوا جزاء اعتدائهم حتى لا يكون عقبة في طريق دعوة الحق أو مصدر تهديد وخيانة لأهلها لا إكراها لهم على قبول المعاهدة ولا محاولة لكسب إيمانهم بالقوة وهو مخالف لدستور الإسلام لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ، وأخيرا ، يحذر الإسلام من الحرب لغير ذلك من الأغراض فكل ما سوى هذه الأغراض الإنسانية الإصلاحية الحقة من المقاصد المادية والشخصية أو النفعية فإن الإسلام لا يجيز الحرب من أجلها بحال من الأحوال وذلك واضح كل الوضوح من إضافة الإسلام القتال أو الجهاد دائما إلى سبيل الله فلا تجد واحدة مثل هاتين الكلمتين في بحث من البحوث الإسلامية إلا مقرونة بهذا السبيل على أن القرآن الكريم قد صرح بتحريم كل قتال بغير هذه الأغراض المشروعة وأكدت هذا التحريم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وسجل التاريخ ذلك لأصحابه الذين لم يريدوا بقتالهم شيئا أبدا إلا وجه الله و تحقيق المقاصد المتقدمة كلها أو بعضها ، وفي ذلك يقول القرآن الكريم : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقربوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ، وكذلك يوجب الإسلام أن يأخذ بالسلم كل ما أمكن ذلك ويشجع عليها ، فالمسلم لا يحارب إلا مكرها على القتال بعد استنفاد وسائل المسالمة جميعا ، وحين تلوح بارقة أمل في السلم يوجب عليه الإسلام أن ينتهزها وأن لا يدع الفرصة نقلت من يده في إطفاء نار الحرب ، ما استطاع إلى ذلك سبيلا ويقول القرآن الحكيم ، وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله وبعد هذا كله يؤول بالرحمة في الحرب ومراعاة أعلى آدابها السامية فإذا كانت الحرب ولا بد فإن المسلم في قتاله لا يغدر ولا يفجر ولا يفسد ولا يتلف ولا ينهب مالا ولا يقتل امرأة ولا طفلا ولا شيخا ولا يتبع مدبرا ولا يجهز على جريح ولا يمثل بقتيل ، ولا يسيء إلى أسير ولا يتعرض إلى مسالم أو رجل دين ، ولا يقصد أن يضرب وجها ، وفهل رأت ساحات القتال وميادين المعارك أرق من هذه الأفئدة وألين من هذه القلوب ؟ ..