على كل مسلم أن يتعلم اللغة العربية ما بلغه جهده

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 12-فبراير-1986 م

لقد روى عن الإمام الشافعي رضي الله عنه قوله : “فعلى كل مسلم أن يتعلم اللغة العربية ما بلغه جهده حتى يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ويتلو به كتاب الله ، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به التسبيح والتشهد وغير ذلك ، ومهما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزله آخر كتبه ، كان خيرا له ” . وبصرف النظر عن صحة نسبة هذا القول إلى الإمام الشافعي وعدمها فإن اللغة العربية وعاء القرآن الكريم والعلوم الإسلامية ولغة العبادات في الإسلام ، وأن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية وإذا ترجم القرآن إلى أية لغة أخرى لا تكون في تلك الترجمة صفة الإعجاز كما أنه لا يجوز الإطلاق عليها اسم “القرآن” لأن القرآن إنما يكون باللغة العربية وأما الترجمة فإنما هي مجرد معانيه المنقولة إلى لغة أخرى لتقريب مفاهيمها إلى أذهان الناطقين بغير اللغة العربية .

حب اللغة العربية من حب النبي العربي

وإذا انتقلت من ضرورة التزام المسلم باللغة العربية في عباداته من الصلوات والأذكار والتسبيح والتكبير والتهليل والأدعية الموروثة وخاصة عبادة قراءة القرآن إلى نقطة أخرى إلا وهي علاقة هذه اللغة بني الإسلام أحاديثه وسيرته وينبغي لنا الاعتبار بهذه المقول المروية عن بعض العلماء الصالحين وهي : “إن من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن أحب النبي العربي أحب لغته وأهله” . وكفى للمؤمنين المتبعين للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم افتخارا واعتزازا باللغة العربية بأنها لغة هذا الرسول الذي هو أحب إليه من أهله وولده وماله ونفسه ويذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم في صفات المؤمنين الصادقين ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين” . ومن ضمن حبه حب لغته ولغة كتابه ولغة أصحابه وعشيرته .

لغة أفضل الكتب وأشرف الأنبياء

لقد وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بالآيات التالية : “حم تنزيل من الرحمن الرحيم ، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ” (فصلت : 2) .

ويتضح من هذه الآية أن اللغة العربية هي اللغة التي اختارها رب العالمين لتنزيل كتابه الحكيم على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هداية للناس من كل الاعتبارات وأن حروفه وأصولها ونطقها وأشكالها عربية محصنة ومبينة .

ويقول الله تعالى مشيرا إلى بعض الحكم الدالة على اختيار العربية لغة كتابه المنزل على أفضل العرب والعجم : “ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لو لا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء” (فصلت : 44) .

إن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين ومطابقا لما يجري بينهم من عادات وأعراف لغوية وكان العربي يتذوق لغة القرآن بمجرد الاستماع إليه ، وكانت كلماته تسري في جسده فيتفائل بها إحساسه وروحه ومشاعره ويتأثر بها تأثرا كبيرا وقصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه معروفة وقصة الوليد بن المغيرة حين ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعداء شديد نحوه ونحو دعوته ثم عاد إلى قومه وقد ملأه التأثير والانطباع بعد أن سمع من النبي آيات من القرآن الكريم .

وأن هذا التأثير دليل على إحساس العربي الدقيق بلغة القرآن وكما أنه شاهد على أن نزول القرآن بلغة العرب ، ولولا ذلك لما كان لهم هذا التأثير البالغ المدهش ، وأن هذا التأثير هما الدليل الكافي على عروبة لغة القرآن من كل الوجوه وأما ما قبل بوجود ألفاظ أعجمية فيه فإنه محمول على أن هذه الألفاظ التي قيل بعجمتها هي ألفاظ مشتركة بين العربية وأخواتها من اللغات السامية والمجاورة مثل العبرية والسريانية والقبطية والفارسية وغيرها .

ويقول أصحاب علوم اللغات أيضا أن ا للغات السامية وجاراتها من اللغات الأخرى قد تبادلت الألفاظ في عصور متطاولة ثبل نزول القرآن ، وكل الألفاظ المقول بأعجميتها من هذا القبيل وهي قليلة جدا بالقياس إلى ما دخل دخل من الألفاظ العربية إلى اللغات السامية وجاراتها من اللغات الأخرى ، وأن صفة الاشتراك بين بعض الألفاظ الواردة في القرآن وبين ألفاظ أعجمية نتيجة لظروف الجوار والتأثير لا يخرجها عن نطاق أصالتها العربية ولا تخرج القرآن عن كونه لسانا عربيا مبينا خالصا مصداقا لوصفه تعالى له بقوله : “قرآنا عربيا” .

الرباط الحقيقي للأمة الإسلامية

إن العربية لغة القرآن وهي الرباط الحقيقي للأمة الإسلامية على اختلاف شعوبها وأجناسها وألسنتها ، وأن معرفة اللغة العربية وإتقانها ونشرها في العالم من أعظم الخدمات في سبيل نهضة الأمة العربية والإسلامية ووحدة صفوفها .