حق الجار على جاره

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 24-فبراير-1987 م

إن من القضايا الإسلامية التي يجب أن تعالج بعناية ودراية وبتوسع وتفهم وكذلك ينبغي أن تكون محل دراسة وتحقيق لدى المهتمين بشؤون تثقيف الحياة الإنسانية وتحسين المعاملات بين الأفراد والجماعات ، في مختلف الظروف والبيئات ، قضية حقوق الجار على جاره ، أو بعبارة عامة حقوق الجيران .

وبصفة كون الإسلام نظاما عاما شاملا لبناء حياة هادفة وصالحة وسعيدة وآمنة ، ولتحقيق الأخوة الإنسانية في جميع مرافق الحياة البشرية على أًسس قويمة ونظيفة ، فقد اعتنى اعتناء كبيرا ودقيقا بمسألة حقوق الجيران من بيان أهدافها وقواعدها وفوائدها وآثارها ، عدما ووجودا المحبة والألفة والمودة بين الجيران والأقارب والأباعد ، ويجب على كل مسلم مؤمن أن يعي جيدا الإرشادات الإلهية والتوجيهات النبوية في هذا الجانب الحساس من الحياة .

وهذه هي بعض النصوص الصريحة الواضحة المحكمة من القرآن الكريم بخصوص حق الجار والوصية به :”واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل” (النساء : 36) . وبعد هذا الإرشاد الرباني بكل جلاء ووضوح إلى أهمية الجيران من النوعين : من القرب والبعد سواء من قرب صلة الرحم أو قرب صلة المكان والإقامة وكذلك جوار البعد قرابة أو إقامة ، ويتبين من هذا التفصيل مدى عناية الإسلام بحق الجار بحيث لن يكون مقصورا على الجار القريب من ذوي القربى أو ذوي القربة المكانية بل يتعدى هذا الحق إلى الجيران البعيدين منه قرابة ومثابة وإقامة حتى إلا سبعين جارا أو بيتا ، كما ورد في بعض الروايات ، وهذا هو صميم الموضوع عند البحوث والدراسات كما يجب أن يكون موضوع الخطباء والدعاة إلى سبيل الإصلاح وتثقيف المجتمع الإسلامي .

وإذا نظرنا بعين الاهتمام والاعتبار ، نرى منهجا دقيقا ومفصلا في السنة النبوية المطهرة لحياة الجوار على بينة ومثالية ونموذجية سامية ولا يوجد لهذا المنهج مثيل في مناهج الدنيا كلها لدى أصحاب النظريات أو المذاهب والفلسفات قديما وحديثا ، وأن هذا المنهج النبوي يوجد ويوصى أولا ثم يبين ويرشد بصورة سهلة المنال وقريبة الفهم لكل ذي عقل سليم فيقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم :” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” (متفق عليه) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن، قيل : من يا رسول الله ؟ قال : “الذي لا يأمن جاره بوائقه ” (البوائق تعني الأضرار والشرور) .

ثم ينقل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إلى بيان بعض الكيفيات لتحقيق حقوق الجوار فيقول : “لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره” (متفق عليه) .

فما أروع الإرشاد النبوي في مجال تأليف القلوب وتقريب النفوس بين الأهل والجيران ؟ وما أنبل وأسمى النماذج التي يقدمها رسول السلام وهادي الأنام لأمة الإسلام لتكون قدوة طيبة وأسوة حسنة في مجال الحياة المثلى ؟ فأين المعتبرون ؟ وأبين المتشدقون والمتفيهقون بأمور ومسائل تفرق القلوب وتشتت الشعوب من هذه القبسات النورانية والإرشادات النبوية التي يجب أن تكون من القواعد الرئيسية لبناء الأمة المثالية التي تجذب القلوب وتقربها بأسهل الطرق وأيسر السبل وأرخص الثمن ؟ .

وهذا هو إمام الدعاة وهادي الأنام أشرف الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يرشد أمته إلى كيفية تحقيق حق الجار فيقول لأبي ذر رضي الله عنه : ” يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك” (رواه مسلم) . وفي رواية أخرى لمسلم أيضا عن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني :” إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها ثم انظر أهل بيت من جيرانك ، فأصبهم منها بمعروف” .

وقد حذر النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في مناسبات عديدة وبطرق شتى عن مغبة إيذاء الجار واحتقاره ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره” (متفق عليه) . وفي رواية مسلم رضي الله عنه : “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره” .