جواهر الأخلاق : العدل

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 21-يناير-1987 م

“العدل” في اللغة هو :ضد الظلم والجور والاعوجاج ، ويعني القوام والاستقامة والسواء والاعتدال والتوازن والإنصاف ، وما إلى ذلك من المفاهيم التي تدل على “السوية” و”الوسطية” و”الاستقامة” و”العدالة” ، وأن العدل هو قوام الحياة كلها في هذا الكون فإذا مال أو حاد ، أن انحرف أي شيئ عن طريقه الطبيعي والفطري سينهار القانون الكوني ويؤدي إلى الكارثة الكبرى ، فعلى سبيل المثال فإذا حاد نظام مجرى الشمس عن فلكه المحدد مثقال ذرة ينهار نظام الحياة في هذه الأرض كلها ، وكذلك نظام الجاذبية أو الهواء التي بها ومنها الحياة الإنسانية على كوكب الأرض ، إذا حصل أي انحراف أو ارتباك فيه تصل الحياة إلى حافة الكارثة ، ومن هنا نفهم أو ينبغي أن نفهم أهمية قانون المعادلات في نظام الحياة والاكتشافات العلمية والنظريات العملية .

وإذا انتقلنا من ميزات صفة “العدل” في نظام الحياة الكوني في ضوء المفاهيم اللغوية والعلمية إلى مجال الحياة العملية نرى أن العدل هو مصدر السلامة والطمأنينة والسعادة في جميع مجالات الحياة الإنسانية لأن حياة الاستقامة في كل شيئ هي الحياة الناجحة وهي الحياة السوية وأي انحراف عن الصراط القويم السوي في أي مرفق من مرافق الحياة يؤدي صاحبه إلى الهاوية والتهلكة ، وأن الانحراف عن الطريق المستقيم معناه الوقوع في المطبات أو المستنقعات أو الوقوع في الإفراط أوالتفريط أو الزيادة والنقصان ، فكل هذه المخاطر من نتائج الانحراف عن خط “العدل” الوسط والأمر المتوسط والخط المستقيم .

وأما العدل هو المطلوب في العقيدة وهو المطلوب في العبادة وهو المطلوب في المعاملة وهو المطلوب في التجارة وهو المطلوب في مأكل الإنسان ومشربه وملبسه ومنامه ، وفيكلل لحظة من حراكاته وسكناته فإن الابتعاد عن خلق العدل فهو الانحراف والشذوذ والثبور والبوار ، وأن الظلم في المعاملات والجور في الأفعال والفجور في الأقوال والنفاق في الإيمان إنما هو منبع الدمار ومبعث الذل والهوان في حياة أولئك الذين لا يحترزون من هذه الخصال التي هي متناقضان خصلة العدل ، فالعادل لن يكون ظالما ولا جائرا ولا فاجرا ولا منافقا ، وهكذا صار خلق العدل مجمع الخصال الحميدة كلها ،ومحط الانطلاق إلى الهدف المنشود في الفطرة إلى فطر الناس عليها .

وقد جاء الأمر الإلهي للتحلي بخصصلة العدل بأسلوبين متميزين أي أسلوب صيغة الأمر وأسلوب كلمة الأمر إذ قال رب العزة في كتابه الحكيم : “اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله” (المائدة : 8) . وأيضا قال : “فإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى” (الأنعام : 152) . وأما كلمة الأمر الصريح ففي قوله تعالى :”إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى” (النحل : 90) . وقوله أيضا : “وأمرت لأعدل بينكم” (الشورى : 15) .

وقد أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالتزام ميزان العدل في المعاملات كلها ويقول هاديا ومرشدا : “وأقسطوا إن الله يحب المقسطين” (الحجرات : 9) . وأن المقسطين في المعاملات كلها في التجارة والمقايضة والمقاولة والمشاركة الصناعية والزراعية وكذلك في المجادلة والمناظرة والشهادة والماينة هو المفلحون ، والمقربون إلى رب العالمين ، وإلى هذه الدرجة العليا من المكانة والمثوبة لأصحاب العدل والقسط ، في الحياة أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : “إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” (رواه مسلم) . وجاء من رواية أخرى : “أهل الجنة ثلاثه : ذو سلطان مقسط موفق ، ورجل رحيم رفيق القلب لكل ذي قربى ، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال” (رواه مسلم) .

وأن العدل خلق واجب الالتزام في مرافق الحياة الشخصية سواء في الأكل والشرب بدون إسراف ، فيقول القرآن : “كلوا واشربوا ولا تسرفوا” وفي المشي كذلك ، كما نص عليه القرآن “واقصد في مشيك” وفي الكلام “واغضض من صوتك” وفي الإنفاق ، كما جاء في صفات عباد الرحمن: “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلم قواما “(الفرقان : 67) .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا” (الفرقان : 63) .

من الهدي النبوي

“لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا” (متفق عليه) .

من الأدعية المأثورة

“ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا” (آل عمران : 147) .