جواهر الأخلاق : الحلم

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 11-يناير-1987 م

قديما قيل وينبغي أن يقال دائما ، أن الحلم سيد الأخلاق ، وكفى لنا حجة ودليلا وبرهانا وكفيلا على هذه القضية النبيلة ما يلي من الإرشادات النبوية من أشرف الحلق وأفضل الرسل وأنبل الخلق خلقا وأمثلهم فضلا بنص كلام رب العالمين مخاطبا له إذ قال : “وإنك لعلى خلق عظيم” (ن : 4) ثم قال : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم” (آل عمران : 31) . ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في عظمة شأن خصلة الحلم في حياة الإنسان هاديا ومرشدا :”إن خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناءة” (رواه مسلم) . وقا أيضا : “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” (متفق عليه) . ثم قال : “إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه” (رواه مسلم) . وأيضا قال : “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيئ إلا شانه” (مسلم) .

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم طريقة استخدام خلق الحلم في الحياة العلمية بصورة عملية واضحة ليكون نبراسا مثاليا في شؤون الناس وليتخذه أسوة في مجالات الحياة اليومية فقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : “بال أعرابي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء (أي دلوا من ماء) فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ” (رواه البخاري) . وعن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظررت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله عندك ، فالتفت إليه ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء” (متفق عليه) .

ومن ظواهر الحلم احتمال الأذى عن الناس ، والإعراض عن زلات وغلطات البسطاء والجاهلين ، وإلى هذه الخصال المستلزمة لمعاملة الحلم والأناءة يشير القرآن الحكيم في وصف المؤمنين المتخلقين بأخلاق الإسلام المثالية : “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” (آل عمران : 134) . ثم يقول عنهم كذلك : “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا حاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” ثم يقول : “وإذا مروا باللغو مروا كراما” (سورة الفرقان : 63) . وإذا انتقلنا من سرد صفات المؤمنين المتخلقين بخلق الحلم إلى الإرشادات الإلهية إلى ضرورة التحلي بهذه الخصلة الحميدة فنرى أمرا واضحا جليا لالتزام كل مؤمن بها في حياته اليومية فيقول رب العزة : “خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين” (الأعراف : 199) . وأيضا يقول : “فاصفح الصفح الجميل” (الحجر: 85) . وكذلك يقول : “وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم” (النور : 22) . ويقول هاديا إلى ضرورة التخلق بخصلة الصبر والمصابرة وهما من لوازم الحلم بل من متطلبات الحتمية : “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ” (آل عمران : 200) ويقول في الميزة الكبرى لخصلة الصبر المتلازم للحلم : “ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور” (الشورى : 43) .

ومن أظهر معالم خلق “الحلم” مقابلة الإساءة بالحسنى ، وعدم الرد على المعاملة السيئة قولا أو فعلا بالمثل بل الالتجاء إلى خلق الحلم بالصبر والمصابرة والعفو والاحتمال ، وإذا كان الرد مستلزما وما كان الإعراض والسكوت والعفو التام كافيا ، بحكم الظروف والملابسة فيكون الرد المطلوب بأقل حد ممكن وبطريقة الحسنى وبدون أية شائبة من العدوان بالمثل قولا أو فعلا ، وإلى هذه الدرجة العليا من خصلة “الحلم” الرفيع المؤدي إلى الدرجات العلى من النتائج المثلى يرشد الرب الأعلى إذ قال : “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم” (فصلت : 35) .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران : 159) .

من الهدي النبوي

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : “لا تغضب” فردد مرارا ، قال : “لا تغضب” (رواه البخاري) .

من الأدعية المأثورة

“اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري” (متفق عليه) .