السر الكامن في تنافس العالم الغربي في العالم العربي

الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 13-ديسمبر -1986 م

لا بد يستعاد إلى الأذهان في هذه المناسبة ، وأن البعثة المحمدية التي جاءت لإرساء قواعد العقيدة الواحدة والإيمان العميق والصلة الروحية القوية والمساواة الإنسانية والأخوة الفكرية لهي التي هيأت للعرب القيادة العالمية وأخرجتهم من حيز الحياة القبلية ومن ضيق الحدود الجغرافية إلى عالم جديد واسع من السيادة الروحية والخلقية والعلمية والسياسية والاقتصادية والحضارية ، وقد أكرم الله تعالى خالق البشر والقوى ، العرب بهذه الميزات التي لم تجتمع لأمة أخرى في تاريخ البشرية ، بفضل تمسكهم برسالة الإسلام واتخاذهم الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قدوة لهم في شؤونهم كلها فأحبهم الناس في كل مكان وكانت لغتهم لغة العلوم والمعارف في العالم المتحضر كله وصارت حضارتهم الحضارة المثلى على وجه الأرض كلها ، وقد ظلت الأمم المفتوحة بقيادة العرب تعتبرهم منقذيها من الضلال والانحطاط والتخلف ، وهدايتها إلى الحضارة الإنسانية الممتازة وإلى الطريق المستقيم المؤدي إلى سعادتي الدارين .

وكان الدافع الحقيقي لجميع أنواع التحديات المعاصرة – العقيدة والفكرية والثقافية – التي يواجهها العالم العربي الإسلامي من جانب المستشرقين والمبشرين والمستعمرين والصهاين وغيرها من جهات أخرى ظاهرة وخفية ، هو – أولا وقبل كل شيئ – صرف العرب عن طريق القيادة للعالم الإسلامي الكبير وتوحيد صفوف المسلمين ونهضتهم وتقدمهم ، وهي القيادة التي كانت ممهدة لهم وميسورة بفضل إخلاصهم لدعوة الإسلام وتفانيهم في سبيل خدمة المسلمين واحتضانهم المنهج الإسلامي نبراسا لهم في سياستهم وأسلوب لحياتهم .

إن العالم العربي اليوم بمثابة القلب النابض للعالم الإسلامي الكبير لمركزه الروحي كمهد الإسلام ومعقله ، ومشهد اجتماع الحج السنوي الذي يشترك فيه أبناء الإسلام من كل فج عميق ، بحيث لا مثيل له في العالم ، ويتجه إليه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها روحيا ودينيا ويدينون بحبه وولائه وأنهم ينظرون إلى العالم العربي بغير العين التي ينظر بها إليه غيرهم من الشعوب الغربية أو الشرقية لأن هذا العالم ، بعد البعثة المحمدية قد أصبح مشرق نور الهدى ومبعث رسالة الأمن والسلام ورائد العلم والحكمة ومشعل الثقافة والحضارة وموضع القيادة الصحيحة للإنسانية كلها بفضل الرسول العربي وخاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .

وإلى جانب هذه المكانة الروحية التي يحتلها العالم العربي في قلوب المسلمين جميعا ، فله أهمية كبيرة في خريطة العالم السياسية لأنه موطن أمم لعبت دورا عظيما ومؤثرا في التاريخ الإنساني كما له اليوم ثقل كبير في خريطة العالم الاقتصادية بمنابع ثرواته ومصادر طاقاته ففيه أيضا عقول مفكرة وأياد عاملة وأسواق تجارية عالمية وأراض خصبة واسعة وأنهار جارية وآبار البترول الغزيرة ومشتقاته التي عصب الصناعة والتقدم الحضاري في عالمنا الحاضر ، وكل هذا وذاك قد جعل العالم العربي أهلا لمركز القيادة من حيث القوة الروحية والمادية والاستراتيجية العالمية اليوم .

لا يخفى على من له إلمام بالتاريخ الإنساني المعاصر ، وبخريطة العالم السياسية والجغرافية ، وبالوضع الاقتصادية والصناعي والتجاري في عالمنا اليوم ، أن العالم العربي الحاضر ، وخاصة منطقة دول الخليج ، يحتل مكانة مرموقة في جميع مجالات الحياة البشرية ، ومن الناحية التاريخية فإنه موطن أمم لعبت أكبر دور في التاريخ الإنساني الحضاري والثقافي والديني كمهد الإسلام ومعقله ، ومنذ انبثاق فجر الدعوة المحمدية في الجزيرة العربية قد صارت بمثابة القلب النابض للعالم الإسلامي كله بمركزها الروحي وسلطانها الديني .

ومن الناحية الاقتصادية والسياسية فإنه يحتضن منابع الثروة والقوة الكبرى من آبار البترول الغزيرة التي هي دم الجسم الصناعي والاقتصادي في العالم اليوم كما أنه موقع جغرافي استراتيجي حساس بين القارات وبين الشرق والغرب ، إلى جانب الأسواق التجارية والأراضي الزراعية والعقول المفكرة والشعوب القوية ذات تاريخ مجيد وحضارات عريقة ، فكل هذا قد جعل العالم العربي محط أنظار دهماء الاستعمار الغربي والشرقي ، وملتقى مطامعهم وميدان تنافسهم ، وهذه حقيقة معروفة وواضحة في الخريطة الاستراتيجية العالمية اليوم ، وادركوا بثاقب فكرهم ودهاء مكرهم أن في جعل العالم العربي منافذ نفوذهم توطئة لبث نفوذهم على العالم الإسلامي كله ! .

قبسات مضيئة

من القرآن الكريم

“الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فاانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا الله والله ذو فضل عظيم ” (آل عمران : 174) .

من الهدي النبوي

“آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان” (متفق عليه) .

من الأدعية المأثورة

“اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي” (أبو داود) .