التقدم العلمي والحضارة الإسلامية

الخليج اليوم – قضايا انسانية -14/9/1985

دعنا الآن نلقي ضوء على بعض وجوه تقدم العلوم الرياضية وازدهارها في ظل الحضارة الإسلامية . إن العصر الأموي والعصر العباسي يعتبران من العصور الذهبية في تاريخ العلوم الرياضية وقد نشطت حركة الاختراعات والترجمة في تلك العصور بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الفكر الإنساني ، فنقل المسلمون كتبا في الرياضيات من اليونانية والهندية والفارسية والسريانية وغيرها . وأضافوا ابتكرات قيمة في العلوم الرياضية ، وألفوا كتبا في مختلف فروعها .

وأما العرب ، فهم الذين ابتكروا “الأرقام” ونظام “الكسور العشرية” و “علامة الصفر” حتى أصبح الحساب بفضلم علما له أصول خاصة ، وقد عرف اليونان من قبل “الجبر” ولكنهم اتخذوه وسيلة للهو والتسلية في العاب المقامرة ، أما العرب والمسلمون فقد استخدموه في أغرض رقيقة لأهداف نبيلة ، ونبغوا فيه واخترعوا أشياء وجمعوا أفكار علماء الهند ومصر ، ثم استخدموه أعدادهم في تنميته ووضعوا له رموزا خاصة حتى صار “الجبر” يعتبر علما عربيا .

وظلت كتب محمد بن موسى الخوارزمي الذي يعيتبر مبتكر علم الجبر ، المترجمة إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد ، مرجعا رئيسيا في الرياضة الأورية حتى القرن السادس ، وكذلك نهض العرب بحساب المثلثات ، وقاموا برسم جداول مختلفة حتى نشأ علم جديد باسم “علم حساب المثلثات” . وكان العرب يقولون بكروبة الأرض في وقت كانت أوربا تؤمن إيمانا راسخا بأن الأرض مسطحة وتبدي استعدادها لإحراق كل من يؤمن بأنها غي مسطحة ، وتفوقوا في علم “أبعاد الأرض” الذي كانوا يسمون “رسم الأرض” .

وتدل على مبلغ ما وصل إليه العرب المسلمون في هذا العلم مؤلفات ابن حوقل ، والكقريزي ، والاصطخري ، والمسعودي ، والبيروني ، والإدريسي ، والقزويني وغيرهم ، وإذا انتقلنا إلى العلوم الفلكية نرى أن العرب كانوا على علم بالطريقة المثمرة التي توصل بها العلماء العصريون إلى أروع اكتشافاتهم ، فقد ألف العلماء العرب عدة كتب قيمة في طبيعة “الأجرام السماوية ” وحركاتها ، وفي “اسطرلاب” أي “بيت الأبرة” والكرة ذات الحلق وهذه المؤلفات لا تزال تثير إعجاب العلماء وفي عهد الخليفة العباسي “المأمون” أعيدت ترجمة كتاب “المجسطي” لبطليموس ، وأعدت الجداول المحققة على يد فلكيين مشهورين هم : سند بن علي ، ويحيى بن منصور ، وخالد بن الربيع والخوفي والخسوف والكشوف وشبح المذنبات وغير ذلك من الظواهر الفلكية التي أضافت معلومات كثيرة إلى المعرفة الإنسانية والتي ساعدت على الاكتشافات المذهلة في عصرنا هذا .

وقد ألف العالم العربي الكندي مائتي كتاب في علوم الحساب والهندسة والظواهرالجوية والبصريات والطب والفلسفة ويقول المؤرخ الغربي المعروف “سيديو” : إن مؤلفات الكندي حافلة بالحقائق الغربية والطريقة وكان الكندي متضلعا في اللغة اليونانية ومتبحرا في علوم مدارس أثينا والاسكندرية والهند ، كا سيظهر ذلك من مؤلفاته القيمة .

ويعتبر الفلمي العربي “أبو معشر” حجة في علم الفلك والنجوم ، وظلمؤلفه المشهور باسم “ذيج أبي معشر “أو “جدول أبي معشر” من أهم المراجع في علم الفلك وقام محمد بن موسى بن شاكر المتوفى سنة 259 هـ – 873م ، باكتشافات دقيقة في عهد الخليفة المأمون ، فيما يتعلق بإيجاد معدل دائرة الفلك الذي تجري فيه الشمس وغيرها من الأجرام السماوية ، وحقق ميل فلك البروج بدقة تدعو إلى العجب بالنظر إلى الأجهزة التي كانوا يستخدمونها في ذلك العصر .

وهذه الاكتشافات الفلكية التي قام بها المسلمون في العهد العباسي لا تكاد تفترق في دقتها عن أحدث اكتشافات أوروبا الحديثة . ولاحظوا لأول مرة التغير في ارتفاع القمر ، كما رصدوا بدقة عجيبة مبادرة الاعتدالين وحركات الأوج الشمسي وحسبوا حجم الأرض من قياس درجة على شاطئ البحر الأحمر ، وذلك في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعتقد أن الأرض مسطحة .

ومن اختراعات العرب الخالصة “آلة الرصد” أي “تلسكوب” ، وقد اخترعها أبو الحسن ووصفها بأنها أنبوبة مثبتة في طرفيها عدسات ، ثم هذبت هذه الأنابيب واستعملت فيما بعد في مراصد القاهرة فنجحت نجاحا عظيما وقد واصل محمد بن عيسى أبو عبد الله أبحاث محمد بن موسى بن شاكر حتى استطاع المسلمون أن يخلقوا من المعلومات الفلكية المعروفة عند القدماء علما قويا يقوم على أصول وقواعد محكمة . وقد وضح علماء الفلك مكانة أبي عبد الله محمد بن جابر بن سنان البناني ، المتوفى سنة 317 هـ – 929م ، بين الفلكيين العرب ، كمكانة بطليموس عند اليونان ، وترجمت كتبه العديدة الفلكية إلى اللاتينية ، ولا يزال يعتمد عليها العلماء في أوروبا ، وأما “البناني” فهو أول من أدخل “نظام الجيب” في علم الفلك وحساب المثلثات .