التخوف يؤدي إلى التخلف

الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م

لقد تسربت عقدة التخوف من القدرة الذاتية ، والطاقة النفسية والكفاءة المستقلة للتغلب على المشاكل والمتاعب والقضايا المحلية والعالمية المحدقة بالعالم الإسلامي في العصور الأخيرة ، إلى نفوس المسلمين في سائر أنحاء العالم ، وإذا نظر الباحث العلمي أو الدارس الواعي لبعض الآثار المترتبة والنتائج الوخيمة لهذه الظاهرة يدرك جيدا أن هذه العقدة هي من أهم أسباب التخلف الذي يسري في بلاد المسلمين ظاهرا وباطنا ، وكلما تزداد حدة عقدة التخوف قوة الإحساس بها يزداد الشعور بالنقص في القدرات والمواهب والخبرات والتجارب الذاتية ويضعف معدل الحماس الذهبي ويقل الاطمئنان القلبي وبالتالي تنطفئ جذوة الهمة والشجاعة ورغبة التغلب على المشكلات واجتياز المعضلات ومواجهة التحديات ، وينتشر في نفوس الأفراد والجماعات مكن المجتمع الإسلامي بصفة عامة ، التقليد الأعمى والانبهار الأصم بإنجازات الشعوب الأخرى وقدرات الدول الاستعمارية والاستغلالية المتحكمة في مصائر الدول العربية والإسلامية بكل ما أوتيها من دهاء ومكر وخداع .

وينبغي لأمة الإسلام وقادتها وسادتها ودعاتها وأئمتها بمختلف ساحاتهم ومجالاتهم واختصاصاتهم السياسية وتجاربهم الشخصية إلى ملابسات هذا التخوف الذي يسود المسلمين اليوم من حاضرهم ومستقبلهم ، ويفهموا المنافذ والثقوب التي يدخل من خلالها هذا السم القاتل المهلك إلى نفوسهم ثم عليهم العمل الجاد الواعي لإزالة هذه العقدة العالقة بأذهانهم ، بنشر الوعي الكافي بين نفوس جماهير الأمة الإسلامية من المصائد والحبائل التي بثها ونصبها الأعداء المتربصون الحاقدون الطامعون في المصادر والثروات والطاقات الهائلة القابعة في أقطار العالم العربي والإسلامي ، لاصطيادها والاستيلاء عليها والتحكم على مجريات الأمور فيها بدون مواجهة وبلا منافسة أو مقاومة لأن روح الابتكار مفقودة وحماس الاستقلال منطفئ والضعف النفسي والكساد الفكري والشعور بالوهن الداخلي والمحلي متحكمة في جميع مرافق الحياة المستوردة ومظاهرها الخلابة .

وهكذا قد استطاع الأعداء الدهماء في أسرع وقت وأسهل طريق وأرخص ثمن وأقل تكليف ، تقويض دعائم كيان الأمة الإسلامية واستقلالها وجهودها الذاتية وشخصيتها المتميزة وتوهن روح الابتكار فيها والاختراع وتبديد مواهبها بأيدي أبنائها وتفتيت أوصالها من داخلها وأخيرا بتمكين أعدائها من تثبيت أقدامهم في بلادها وتحكيم عقولهم ودسائسهم في تقرير مصيرها ، ومن أول الواجبات اللحتمية لكل من يعنيه شأن هذه الأمة الإسلامية أن يعمل جاهدا مخلصا دون أن يخاف من لومة لائم ، لتبديد هذا التخوف المفروض على عقول أبنائها – عامة وخاصة وقادة وساسة – زورا ومكرا وتخليصهم عن مركب النقص وإحساس التخلف وحب التقليد الانبهاري، والشعور بتفوق كل ما هو مستورد وأجنبي مادي وفكري .