الأسرة الصالحة دعامة المجتمع الصالح

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 23-يونيو-1986 م

إن تكوين المجتمع الصالح النافع للبشرية جمعاء أنما هو من الأهداف المنشودة من الأنظمة الإسلامية كلها وخاصة ما يتعلق منها بالشؤون الزوجية والعائلية والاجتماعية والأخلاقية العامة ، وكما أن المجتمع يتكون من الأفراد يتكون المجتمع البشري بصفة عامة من مجتمعات صغيرة ومنتشرة في شتى أقطار الأرض وفي مختلف البيئات والظروف والأجواء فلا يمكن أن يستتب الأمن والسلام والوئام والنظام في العالم الإنساني الأوسع إلا إذا لم يستتب ذلم في أوساط الأسرة الواحدة أولا ثم في المجتمعات الممدودة وبالتالي في المجتمع الإنساني العالمي ، ومن هنا يجب الاهتمام بحجر الأساس الأول للمجتمع وبلبنته الأولى في القاعدة ، وأن هذه اللبنة هي الأسرة فإذا كانت الأسرة صالحة ومتماسكة الأوصال سيكون المجتمع صالحا ومتماسكا وسعيدا .

الخلية الأولى للأسرة

يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه سلم : “الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة” ، والمرأة هي الدعامة الأولى والخلية الرئيسية في بناء الأسرة لأن الحياة الزوجية الصالحة تؤدي حتما إلى تكوين أسرة صالحة وقد حرص الإسلام على أن تكون هذه الخلية سليمة ومنيعة وقوية لتنتج نسلا صحيحا وقويا ومنيعا لكي تتحقق فكرة بناء المجتمع الصالح الذي تزدهر فيه الحضارة والعلوم والمعارف وتسعد فيه الأفراد والجماعات في جميع مرافق الحياة البشرية .

ومن هذا المنطلق نرى النظام الإسلامي يأخذ بيد المرأة فيهذبها ويعملها ويثقفها ويعتبرها في جميع المجالات من الحقوق والواجبات في مستوى الرجال إلا في المجالات التي يفترق فيها كل من الرجال والنساء من حيث الفوارق الطبيعية والقدرات والمقومات الفطرية والبيوللوجية وكل من هذا الفوارق بين الجنسين يكمل بعضها بعض ويحتاج إليها نظام الحياة البشرية الذي وضعه خالق البشر ، وهذه الفوارق الطبيعية لا تؤثر في الحقوق والواجبات والمسؤوليات الإنسانية العامة المشتركة بين جناحي الأمة ، وطبقا لهذه الامتيازات الطبيعية قد تم توزيع الواجبات والمسؤوليات بين الرجال والنساء كما أشار إليه القرآن الكريم : “ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف” ، وأيضا قال : “وللرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن” ، ثم يقول معلنا تفاوت القدرات والقوى الطبيعية بين الجنسين : “وللرجال عليهم درجة” فهذا ليس في الحقوق الإنسانية ولا في الواجبات والمسؤوليات العامة في بناء الأسرة وتنظيم الحية العائلية ولكن في بعض المجالات الاختصاصية الفطرية فإن البيت على سبيل المثال ، هو الوطن الصغير فيربي فيه الجيال الجديد وشباب المستقبل فيجتمع على المرأة الأم الاهتمام بتربية هذا الجيل الناشئ بشؤون المنزل الداخلية أكثر من الأمور الخارجية والشؤون العامة للوطن الكبير والدولة فإذا كانت الظروف الطبيعية تساعد المرأة على الاهتمام بشؤون الأطفال والمنزل فإن الوضع الفطري للرجال يساعده على الاهتمام بشؤون خارج المنزل أكثر ، وهذا هو التكامل التضافر وليس بالتنافر والتناقض بحيث ينقص قيمة وأهمية جزء عن الآخر أو جناح من جناحي الأسرة فلا تستطيع التحرك أو التحلق في سماء التطور والتقدم إلا بهما معا .

ومن هنا قيل : “المرأة نصف الأمة” وأيضا : “النساء شقائق الرجال” .

الحياة الزوجية المثالية

وأفضل مثل أحسن قدوة لمعرفة ملامح الحياة الزوجية المثالية هو سلوك أشرف الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وأفراد أسرته طول حياته ، وكفى للإنسان مثالا حيا مثل حياته صلى الله عليه وسلم مه زوجته الأولى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ومع أولاده منها فلم يعرف عنه إطلاقا أنه وقف من زوجته موقفا سلبيا لا ترضاه .. كما لم تقف منه أبدا ، ولك يذكر التاريخ ، على طول ما حفظ من مراحل حياته الزوجية ، دقيقها وكبيرها خفيها وجيها ، أنه آلمها أو آذاها أو تركها تبيت ليلة واحدة على غير تمجيدها إياه كزوج كريم وكأب رحيم ، يرعاه ويرعى الأبناء ويتعهدها ويتعهدهم ويكفل لها ولهم الهناء والسعادة ، وهذه هي الحياة الزوجية المثالية التي يطلبها الإسلام من أمته في كل زمان ومكان وبيئة .

وفي ظل مثل هذه الحياة الزوجية المثالية تتكون الأسرة الصالحة ومن مثل هذه الأسرة والعوائل الصالحة يتكون المجتمع الصالح المثالي الذي ينشده الإسلام .