أفضل الصدقة : إصلاح ذات البين

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 16-أبريل-1986 م

إن الإصلاح بين الناس من أهم صفات المؤمنين الذين يتحلون بالأخلاق الإسلامية ويتحرون حياة الصلاح والتقوى والأمانة والوفاء ، والإصلاح ليس مقصورا في جانب من جوانب الحياة أو بين مجموعة من جماعات الناس كما أن الواجب على المسلمين أن يسعوا لنشر مبدء الإصلاح بين الناس جميعا بصرف النظر عن الاعتبارات الدينية والمذهبية بل على أساس العاطفة الإنسانية المطلقة لأن الفتنة والفساد والحروب إذا وقعت بين أفراد أية فئة من الناس في أي مكان فيحتمل انتشار مخاطرها وتعدي نتائجها الوخيمة إلى مجالات وفئات أخرى غير مرتبطة بها مباشرة أو ليست لها يد فيها ، ومن هنا كان مبدأ الإصلاح بين الناس عامة من المبادئ الإسلامية الخالدة ، فقال القرآن الكريم : “لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ” (النساء : 114) . فجاء الإرشاد الإلهي بكلمة “الناس” لئلا يظن أحد أن هذه الخصلة النبيلة تنطبق بين المسلمين أو المؤمنين فقط ، ويؤيد هذه النظرية قوله تعالى في آية أخرى : “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ” (الأنفال : 25) .

إن الإسلام دين الإنسانية جميعا كما أن خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول الثقلين بنص القرآن : “قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا” (الأعراف : 158) ، ثم ثال : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) ، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : “خير الناس أنفعهم للناس” ، وأن مفهوم الدين في الإسلام غير مفهوم الدين عند بعض الفلاسفة أو المفكرين الغربيين ، وأن مفهوم الدين في الإسلام يجمع كل الناس وجميع الميول الإنسانية ويهدف المصلحة العامة للجنس البشري كله .. ويهدف الإسلام إلى تحقيق العدالة الكاملة للمجتمع الإنساني كله فيقول الله سبحانه وتعالى : “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيراك ” (النساء : 58) .

وهذه الآية صريحة في أن الإسلام لا يحب العدالة أن تسود بين المسلمين فقط بل يوجب أن تسود بين الناس جميعا .

وأما السعي لتحقيق سادة العدالة بين جميع فئات الناس في كل مكان وزمان فهو فرض على مل مسلم ، وبهذا الخلق الإنساني القويم يكون المسلم مظهرا حيا للحياة الإسلامية ومثلا أعلى للخلق القرآني الذي قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كان خلقه القرآن” .

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورة أروع وأوضح أهمية الإصلاح بين الناس إذ قال : ” كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها صدقة أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ” (متفق عليه) ، وأن معنى قوله : “تعدل بينهما” هو : تصلح بينهما بالعدل ، وجدير بالاعتبار في سياق هذا الحديث النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع الإصلاح بين الناس بالعدل ، في مقدمة أنواع الصدقات وفي قمة الأخلاق الفاضلة الإنسانية .

ومن الإرشادات النبوية التي تدل على أهمية شأن الإصلاح بين الناس في نظر الإسلام الحديثان التاليان المرويان في أم الكتب الصحاح ، الأول : روى عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها قالت : “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ” (متفق عليه) ن وفي رواية أخرى قالت أيضا : لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث ، تعني : الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ، والثاني : روى عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال : “اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب” (متفق عليه) .