أعطى الله المسلمين ما لم يؤت أحدا من العالمين

الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 23-أبريل-1986 م

لقد فضل الله سبحانه وتعالى الأمة العربية الإسلامية بميزة اختصها بها دون الأمم الأخرى وأعطاها مكرمة حالدة ما آتاه أحدا من العالمين إلا وهي رسالة الإسلام التي بعث بها خاتم الأنبياء والرسل في دستورها الإلهي المنزل بلسان عربي مبين من لدن حكيم عليم فقال عن طبيعة هذا الكتاب ومكانته ” وبالحق أنزلنا وبالحق نزل” (الإسراء : 105) .

وبإنزال القرآن باللغة العربية أصبحت خيرر اللغات وبتحمله صار حاملوه خير الأمم ، وبالعمل به كانوا أفضل العباد ، وعند ما كان السلف الصالح من طليعة الأمة الإسلامية يحفظون القرآن ويعملون به ويعلمونه ويبلغونه وينشرونه وصفهم الله تعالى : “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” (الأعراف : 110) ، ثم قال تعالى : “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ” (آل عمران : 164) .

ومما يجب أن نضع في الاعتبار وينبغي أن نعيد إلى الأذهان أن هذه “الخيرية” وتلك “الأفضلية” وكل ما ترتب عليهما من خصائص وميزاته للأمة العربية الإسلامية إنما يتحقق من التنفيذ والتطبيق فقط وإلا ينطبق عليهم أيضا ما انطبق على بني إسرائيل الذين وصفهم الله ، حينما كانوا أهلا للتفضيل ، فقال في حقهم : “اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين” (البقرة : 47) ، ولما انقلبوا على عهدهم وتناسوا وتجاهلوا وتغافلوا عن واجباتهم وتكاسلوا عن مسؤولياتهم أصبحوا العن الشعوب بعد أن كانوا أفضل الشعوب ، وإلى هذه الحالة التي تردى فيها بنو إسرائيل أشار القرآن : “فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية” (المائدة : 13) ، ثم قال : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون” (المائدة : 79) .

إنما الاعتبار بالتنفيذ والتطبيق لابالتبليغ والترحيب

وإنما تجلى فضل الإسلام على العرب وصاروا به خير الأمم وفتحوا البلاد وملكوا الحضارات وانتشروا في القارات وسجلت أعمالهم الجليلة وخدماتهم العظيمة في دواوين التاريخ وصفحات الكون بمداد من النور ، حينما حملوا رسالته على أعناقهم وطبقوا تعاليمه في حياتهم وهكذا اقتطفوا ثماره وصاروا أسوة حسنة للبشرية في جميع المجلات وكانوا عباد الرحمن حقا وعملا وتنفيذا وتطبيقا .

وإذا نظرنا إلى الهوة السحيقة التي هوى فيها اليوم المنتمون إلى هذا الدين الذي هو الكمال والنعمة التامة المرضية التي وصفها الله تعالى بقوله ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة : 3) . فمن الطبيعي المنطقي المعقول أن يكون حملة هذا الدين في منتهى الكمال دينا وخلقا ونعمة ومرضاة من عند الله ، ولكن نراهم إلى اليوم في إغطاط سحيق في الدين والأخلاق والفضائل والمثل العليا بل وصاروا أضحوكة العالم في التمزق والتشتت وسخرية الدنيا في ضياع الأخلاق الإسلامية والمثل العليا عندما يتظاهرون بالانتماء إلى خير الأديان والانتساب إلى أفضل الأنبياء وهو يعيشون في نقيض الطرفين ! .

ومن الحق والواضح والتاريخ الواقع أن هذه الأمة قد حققت قوتها الذاتية وحافظت على كيانها المستقل وقضت على كل أسباب الفوضى الداخلية والخارجية يوم أن كانت متمسكة بمبادئ الإسلام في التضامن والتعامل والتعاون ، فوجدت في تلك المبادئ مناعة حقة عن الشتات والفرقة على أساس الأهواء النفسية والأغراض الذاتية وكانت المبادئ الإنسانية السامية غايتها القصوى وأما تحقيق بعض مكاسب الدنيا الفانية التافهة فلم يأخذ من اهتمامهم شيئا لأن النفوس الكبيرة دائما ترنو إلى غايات كبيرة وتتطلع إلى مكاسب خالدة وأما النفوس الصغيرة فهي التي تتلهف إلى تحقيق مكاسب زمنية ومقاصد زائلة بمرور الليالي والأيام .

كيف أصبح المسلمون شتاتا وأحزابا ؟

وقد رسم الله سبحانه وتعالى في كتابه الخالد الذي أنزل دستورا لأكمل الأديان على أفضل الأنبياء والرسل ، طريق النجاة والسعادة وحذر من مغبة الانحراف من هذا الطريق الإلهي المستقيم فقال : “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” (الأنفال : 46) .

ثم حذر من أسباب تبديد الطاقات وتفريق الصفوف فقال “وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون” (الأنعام : 153) .

هكذا حصل اليوم التفرق والضياع بين خير الأمم بسبب الابتعاد عن أقوم الطريق والانحراف عن المنهج الإلهي السليم المستقيم مع وجود تحذيرات واضحة خالدة أمام عينهم ليلا ونهارا ويذهب كل فريق في طريق فيحصل الشتات والتفرق وبالتالي الضعف والضياع ، فيقول تعالى محذرا ومرشدا ” ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا” (طه : 125) .