أضواء على : العلاقات الهندية العربية عبر التاريخ

المدينة – 24 جماد الآخر 1402

تدل الشواهد التاريخية على أن الاتصال القديم بين الهند والعرب قد ساعد على استيطان جاليات عربية في موانئ شواطئ الهند للأعراض التجارية كما استوطنت جاليات هندية من مختلف الطابقات في أنحاء جزيرة العرب ، وكانت هذه الجاليات تعرف في عهد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بأسماء مختلفة بين العرب مثل “الزط” و”البياسرة” و”الأحامرة” وغيرها ، وأن التسمية لأناس نزحوا من بلاد أخرى واستوطنوا بين ظهرانيهم بأسماء وألقاب عديدة في لغتهم لدليل واضح على شهرة هؤلاء المستوطنين ونفوذهم في الحياة الاجتماعية لسكان البلاد الأصليين ولما بعص النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بين عامي السابع والثامن الهجري ، الوفود للدعوة إلى الإسلام يحملون رسائله عليه الصلاة والسلام إلى أصحاب الأمور والسلطان في أقطار الجزيرة العربية وخارجها يدعوهم فيها إلى الإسلام عرفت الدعوة طريقها إلى الثغور الشرقية والجنوبية وأخذت تنتشر بين العجم – منهم الهنود والمستوطنون 0 الساكنون في هذه المناطق ، فانضم منهم عدد كبير إلى حظيرة الدعوة الجديدة .

ومن ناحية أخرى أن الدعوة الإسلامية قد تطرقت إلى الهند أيضا بطريق التجار والرحالة العرب الذين كانوا يزورون موانئ سواحل الهند الغربية والمراكز التجارية فيها ، ومن الطبيعي أن التاجر العربي المسلم الذي يزور الهند لأغراض تجارية ، والذي يشاهد نزعة أهل الهند الدينية وحبهم للتجار العرب ، لا بد أن يحاول التحدث عن الدين الجديد الذي ظهر في بلده إلى أصدقائه ومعارفه ، ويعمل لنشر تعاليمه بينهم بطريقة ودية سليمة ، وأثار هذا الوضع القائم بين الهند والعرب ، اهتمام رجال الهند ، ومن الأمراء والحكام بهذه الدعوة الجديدة ، واشتدت رغبة كثيرة منهم في إنشاء رابطة بينهم بين صاحبها مباشرة ليفهموا رسالتها وتعاليمها فهما صحيحا ، ولا ينتغي أن يفوتنا في هذا المجال ذكر ما ورد في القرآن الكريم من بعض الأشياء الهندية وكذلك كثير من الأشياء والعادات والتقاليد الهندية التي وردت في الأحاديث النبوية ، أو ما احتوى عليها شعر الصحابة ، غيره من التراث الأدبي العربي الإسلامي كما هو واضح من مطالعة كتب الحديث والسير ، وجاء في سيرة ابن هشام أنه حينما قدم “خالد بن الوليد” من نجران ومعه وف\ “بني الحارث بن كعب” فلما وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم قال : من هؤلاء الرجال كأنهم رجال الهند ؟ ولم يلبث أن توسع نطاق الدعوة الإسلامية في أرجاء الهند بجهود الدعاة العرب والمسلمين الهنود الذين استناروا بذلك القبس الذي حمله العرب إليها .

دور العرب في نشر الإسلام في الهند :

إن صوت الإسلام قد دخل إلى شبه القارة الهندية عقب ظهوره في جزيرة العرب بأيدي دعاة من المسلمين العرب والهنود الذين تشبعوا بروح الإسلام السمح ، وبذلوا جهودا فردية في سبيل نشر دين الله المتين في كل بقعة نزلوا فيها ، وبدأت هذه الجهود في سواحل الهند الغربية الجنوبية قبل الفتح الإسلامي الأول الذي قام به ” محمد بن قاسم الثقفي” في شمال شبه القارة الهندية ، وكان العرب هم طليعة هؤلاء الدعاة الذين أناروا لطريق لنشر الدعوة الإسلامية في أرض الهند ، حيث وجدت أرضا خصبة لتنمو تترعرع ، وتفتحت زهورها في أرجائها ، وأثمرت ثمارها اليانعة في جو من الحرية والسلام ، وكان رائدهم في ذلك قوله تعالى “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” وإن أول فتح إسلامي قد استتب في مناطق السند الواقعة على شاطئ الهند الشمالي الغربي بيد “محمد بن قاسم الثقفي” في عهد الدولة الأموية في نحو عام 91 من الهجرة ، فقامت بذلك أول دولة عربية إسلامية في شبه القارة الهندية ، ومما لا شك فيه أن لهذا الفتح أثرا في انتشار دعوة الإسلام في أعماق البلاد الهندية ، لأن وجود دولة عربية في أرض السند كان بمثابة حافز جديد للدعاة المسلمين من العرب والهنود ، ولكن هذه الدولة كانت منحصرة في مناطق السند ، وتوقفت الفتوحات فيها تماما بعد أن تغير خليفة الدولة الأموية ، وقتل “محمد بن قاسم الثقفي” ثم تقلص نفوذ الدولة العباسية على هذا الجزء من الدولة العربية لضعف دولة الخلافة واستقلال بعض أمرائها بالحكم .

وظلت الهند بعيدة على أي غزو أو فتح عسكري من الخارج إلى أن وجه “محمد الغزنوي” أولى حملاته إلى شبه القارة الهندية غير حدودها الشمالية الغربية ، وذلك في 392هـ – 1001م وتابع حملاته وانتصاراته في أرض الهند حتى أقام فيها دولة غزنوية غربها ، وتعتبر هذه الدولة الغزنوية أولى دولة المسلمين غير العرب في الهند ، ثم تتابعت على حكم الهند دول للمسلمين العجم الواحدة بعد الأخرى من الغوريين والمماليك ، ثم التيموريين أو المغول ، فكان عهد الدولة المغولية التي دامت من 932 – 1272 هـ (1526 – 1857م) أزهى عصور حكم المسلمين في شبه القارة الهندية ، وبلغت قوتها واتساعها جميع أنحاء البلاد ، وكانت الهند تضع التاريخ في هذا العهد من الابتكارات والفنون العلوم حتى صارت الهند يضرب بها المثل في مجد الحضارة الإسلامية وقوتها ، كما قال الشاعر :

لا تسل أين ابتكار المسلمين فسل الحمراء واشهد حسن تاج .

وقد بلغ مجد المسلمين وحكامهم في شبه القارة الهندية إلى الحد الذي ظل فيه مندوب ملك انجلترا ، جيمس الأول أكثر من سنتين في الهند ، يحاول مقابلة الامبراطور المسلم “جهانكير” فلم يظفر بما يريد ، فتضرع أن يأخذ كتابا منه يحمله إلى انجلترا فرد عليه الوزير الأول قائلا “إنه مما لا يناسب قدر ملك مغولي مسلم أن يكتب كتابا إلى سيد جزيرة صغيرة يسكنها صيادون بائسون” .

وكان هذا في أوائل القرن السابع عشر بعدما تأسست الشركة الانجليزية ، لتباشر تجارتها في الهند والبلاد الشرقية ، وقد بلغ حكم المسلمين للهند أوجه بعد ذلك في عهد الامبراطور “أوركجازيب” الذي وحد الهند كلها تقريبا تحت حكمه ، وهكذا أصبحت شبه القارة الهندية كلها خاضعة للحكام المسلمين وحكموها حكما متواصلا ثمانية قرون ونصف ، وتركوا فيها خلال تلك القرون الطويلة من الآثار والمعالم الخالدة الرائعة للحضارة العربية الإسلامية ما لم تزل الهند معتزة به كأعظم أثر تاريخي إنساني يفتخر به أي بلد في العالم ، وبقي الأمر كذلك إلى أن استولى الانجليز على الهند ، فأصبحت خاضعة للحكم البريطاني ، وبسبب سياسة بريطانيا التقليدية “فرق تسد” ضعفت قوة الهند القومية وتفتت وحدتها الوطنية .

حاضر المسلمين في الهند :

وهكذا مر على تاريخ الإسلام في الهند حتى الآن أربعة عشر قرنا من الزمن منذ وصول صوته إليها لأول مرة ، ثلاثة عشر قرنا على قيام دولة عربية إسلامية في منطقة السند وثمانية قرون ونصف من قيام الدولة الغزنوية إلى انتهاء حكم المسلمين في عام 1857م ثم استمر حكم الانجليز العام على شبه القارة الهندية لمدة قرن من الزمان حتى استقلالها في عام 1947م وكانت الهند أولى دول العالم في عدد المسلمين ، عند استقلالها حيث كانت تضم أكثر من مائة وعشرين مليون مسلم ، ثم كان تقسيم شبه القارة إلى دولتين – الهند والباكستان – فصارت الهند دولة مستقلة ذات أغلبية هندوسية وأقلية كبرى مسلمية ، والباكستان ذات أغلبية مسلمة وأقلية هندوسية ، إذ بلغ عدد المسلمين الذين وقعوا في قسمة باكستان حوالي ثمانين مليونا وعدد المسلمين في الهند نحو أربعين مليونا .

إذا ألقينا نظرة على شبه القارة الهندية فلا نجد فيها مع اتساع رقعتها وتعدد مقاطعتها ومناخها ، بقعة إلا ودخلها صوت الإسلام ، وفضلا عن أن التاريخ يشهد بأن الدعوة الإسلامية انتشرت في المناطق الساطحية الهندية المواجهة لجزيرة العرب عقب ظهورها في البلاد العربية ، وكذلك انتشرف مراكز الشقافة الإسلامية والعربية في أنحاء الهند .

وتعتبر الهند اليوم أول دول العالم في تعدد أديانها ولغاتها وتباين مناظرها ومناخها ، وثاني دول العالم في عدد سكانها (إذ تجيء الهند في الترتيب بعد الصين في عدد السكان) وثانية دول العالم من حيث عدد المسلمين فهي تأتي في الترتيب بعد اندونيسيا إذ يبلغ عدد المسلمين في اندونيسيا 120 مليون مسلم وأما الهند ففيها اليوم ما يزيد عن مائة مليون مسلم .

وهكذا يكون المجتمع الإسلامي في الهند الحاضرة جزء حيا من جسم العالم العربي الإسلامي الذي يربطه برباط وثيق من الدين والأخوة الروحية ، إذ أنهم أكبر مجموعة من شعب الهند بعد الهندوس .

وجدير بالذكر أن عدد المسلمين في الجمهورية الهندية لفي ازدياد مستمر منذ استقلال البلاد وتقسيمها ، فبعد أن كان عدد المسلمين في قسمة الهند لا يزيد عن 40 مليون وقت التقسيم ، فقد بلغ الآن حوالي مائة مليون مسلم .

الملامح الخالدة للروابط الثقافية والحضارية بين الهند والعرب :

لقد فتح وصول الدعاة المسلمين إلى الهند بابا جديدا في العلاقات بين الهند والعرب وقد ازدهرت منذ ذلك الحين مكانة الهند في العالم العربي هو طبيعة الدعوة الإسلامية ومهبط الوحي المحمدي ، وإن أول بقعة أشرقت بنور الإسلام في شبه القارة الهندية هي منطقة ملابار (كيرالا) الواقعة بساحل الهند الغربي المواجهة لجزيرة العرب ، فنشأت في ضواحي ملابار أول جالية عربية في أرض الهند ، ويرجع أصل طائفة “مابلا” المسلمة المعروفة في كيرالا الآن إلى المستوطنين العرب الأول في تلك المنطقة ، ويشير المؤرخ الهندي الدكتور “تاراشاند” إلى أن الطائفة المسلمة المعروفة باسم “الباي” أصلها إلى القبائل العربية التي نزحت إلى الهند من العراق في عهد “الحجاج بن يوسف الثقفي” .

وكان العرب منذ القدم مغرومين بشراء المبيعات والمنتجات الهندية حتى أن كثيرا من أسمائها امتزجت باللغة العربية وشاعت في أشعارها وقصصها ، ومن ناحية أخرى استطاعت الهند أن تجذب إعجاب التجار العرب ورحالتهم إلى أراضيهم بجمال طبيعتها وكثرة مصادرها التجارية وموانئها البحرية ، وقد بلغ إعجاب العرب إلى حد أنهم كانوا يطلقون على بناتهم اسم “الهند” كما أطلقوا على أجود أنواع السيوف “السيف الهندي” .

وهكذا أعاد الإسلام مرة أخرى العصر الذهبي الذي كان قائما بين الحضارتين الكبيرتين للأمتين العريقتين الهندية والعربية وتحتل الهند الآن مكانة ممتازة في العالم الإسلامي بصفة كونها ثانية دول العالم في عدد المسلمين كما أن موقعها الجغرافي في وسط العالم العربي والإسلامي الممتد من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهادي قد وضعها في مكانة استيراتيجية هامة ، وأن مركزها كدولة ديمقراطية عظمى تضم مجتمعا إسلاميا كبيرا يشارك مع جسم العالم العربي الإسلامي الكبير في نهضة العلوم الإسلامية واللغة العربية ، قد ألقى على عاتقها مسئولية كيرى نحو الدول العربية والإسلامية ، وجدير بالذكر أن أركان التعاون والتضامن بين الهند وهذه الدول قد توطدت ، وأصبح مدعمة الأساس بعد أن نالت استقلالها من الاستعمار الغربي وأصبحت ذات سيادة كاملة ، وقد تعرض هذا التضامن لبعض الفتور إبان ذلك الاحتلال الأجنبي ، وهاهو الآن قد دخل تاريخ التضامن والتعاون بين الهند والدول العربية والإسلامية ، مرة أخرى في عصره الذهبي ، وإن هذا المركز الذي تحتله الهند والمكانة التي تمتازها في العالم العربي والإسلامي في الوقت الحاضر يمنح للإسلام والمسلمين فيها مجلا واسعا لنشر الثقافة العربية والإسلامية في ربوعها للمحافظة على تراثهم العلمي والديني ، ولتوثيق عرى التفاهم بين الهند والعالم الإسلامي والعربي .

اللغة العربية في الهند :

وبعد ظهور الإسلام في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي ووصول صوته إلى الهند ثم فتح الإسلامي بدخول القائد العربي محمد بن القاسم الثقفي إلى شمالي الهند الغربي في نحو سنة 91 هجرية ، أصبحت اللغة العربية والثقافة العربية تنتشر في أنحاء الهند وتتأصل جذورها في ربوعها وبذل رجال العرب المشبعون بدعوة الإسلام وكذلك الهنود الذين اعتنقوا الدين الإسلامي أقصى جهودهم في سبيل نشر اللغة العربية وآدابها في أنحاء البلاد باعتبارها لغة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية وهمزة الوصل بين الهند والعالم العربي .

وأنجبت الهند كتابا ومؤلفين من الهنود أضافوا مؤلفات عظيمة من تفسير كتفاسير “تبصير الرحمن وتيسير المنان” و”فتح الخبير” و”سواطع الإلهام” و “تفسير القرآن بكلام الرحمن” وكذلك من حديث وفقه وغيرهما من العلوم الإسلامية ، وفي القرن السابع الهجري قدم إلى منطقة ملابار بجنوب الهند الشيخ زين المعبري من جزيرة العرب واستقر فيها حيث بنى المساجد وأسس المدارس والمعاهد العربية العديدة التي قدم إليها الطلاب من مختلف أنحاء البلاد للتزود من تلك المناهل العلمية ، ونشأ في عائلة الشيخ عدد كثير من جهابذة العلماء فوضعوا كتبا في اللغة العربية ومعظمها يتناول الفقه والتصوف والوعظ والإرشاد والنحو والصرف والعلوم الأخرى للأدب العربي ومنها “فتح المعين بشرح لقرة العين” و”مرشد الطلاب” و”إرشاد الطالبين” و”منير القلوب” وأخرى عديدة في التاريخ والقواعد اللغوية .ولا يزال عشاق اللغة العربية وعلماؤها يتبارون في التأليف والتضيق والترجمة في هذه اللغة التي أخذت جذورها موطدة الأركان في البلاد الهندية .

الطابع العربي في الآداب والفنون الهندية :

ولم يدع الفن العربي فنا من الفنون الهندية إلا وله فيها تأثير أو تشابه ، سواء في ذلك الزخرفة أو التطريز أو النحت والتصوير وإذا رأينا الآثار التاريخية الخالدة والمنتشرة في أنحاء الهند نجد الفن العربي والنقوش العربية إلى جانب الفن الهندي والنقوش الهندية مثل “القلعة الحمراء” و”المسجد الجامع” بدلهي و”تاج محل” والمباني المغولية العظمى في آجرا ومئات المساجد والقلاع والأضرحة المنتشرة في الهند ، وتتجلى فوكل منها مظاهر الفن العربي ، حتى يخيل إلى الزائر في أول وهلة بأنه في إحدى الأماكن التاريخية في بلد عربي ..

وقد ساهم الفن الإسلامي مساهمة فعالة في تنمية الفن الهندي وأثره فيه تأثيرا كبيرا بفضل السلاطين المسلمين المولعين بالفنون الجميلة ، وفي مقدمتهم الامبراطور المغولي “شاهجهان” وجده “أكبر” وقد امتازت آثارهم التاريخية بفن إسلامي بديع وطابع عربي رائع وإن الآيات القرآنية والنقوش العربية لهي التي تزين واجهة كل مسجد أو قصر أو ضريح بناة هؤلاء الحكام .

تغلغلت العقلية العربية والإسلامية في تفكير كثير من الأدباء الهنود وأشعارهم وقصصهم بفضل الأدباء العرب الذين هاجروا إلى الهند واستوطنوا فيها بفضل الأدباء الهنود المتبحرين في الأدب العربي وعلومه وفنونه ، وأمامنا دليلا على ذلك الكتاب الهندي الشهير “كليلة ودمنة” الذي وضعه فيلسوف هندي كبير باللغة السنسكريتية بطريقة المحاورة على ألسنة الحيوانات ، وهذه كانت طريقة مألوفة عند العرب منذ أقدم العصور .

الأزياء العربية :

نرى الأزياء المعتادة لدى العرب ، كالعمامة والجلباب والسروال والطيلسان وغيرها منتشرة بين الهنود بصرف النظر عن اختلاف الأديان والطبقات والطوائف كما نجد في المدن المشهورة في الهند آلافا من أبناء الجالية العربية يشتغلون بالتجارة وقد اتخذوا الهند وطنهم الثاني إذ وجدوا فيها أرضا خصبة لتنمية ثقافتهم والاحتفاظ بتراثهم ، وأكبر مظهر لذلك مدن “كليكوت” و”بومباي” بساحل الهند الغربي على شاطئ “بحر العرب” .. هذا إلى جانب العادات والطقوس العربية التي صارت الآن جزء لا يتجزأ من الثقافة الهندية المحلية مثلما نراه في كثير من مناسبات أفراح الزواج والأعياد القومية .

مراكز العلوم العربية :

وفي الهند اليوم عدد كبير من المعاهد الإسلامية والمدارس العربية تقوم بتدريس اللغة العربية وآدابها ، ودور خاصة للنشر والطبع والتأليف باللغة العربية ، ويقوم بعضها بتوزيع الكتب والمجلات العربية التي تطبع في البلدان العربية في شتى أنحاء البلد .

وجدير بالذكر أن الهند قد ساهمت مساهمة فعالة في سبيل نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في البلاد المجاورة لها ، مثل بنجلاديش وباكستان وأفغانستان وسيلان والملايو وأندونسيا وبورما وماليديف ، وما زال طلاب العلم من هذه البلدان يفدون إلى المعاهد الإسلامية في الهند لدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية .

وتجري الدراسات الإسلامية والعربية في الهند اليوم على طريقتين الأولى بطريق المدارس والمعاهد التي تجري بالمساعدات الخيرية والتبرعات الأهلية ، وكذلك بطريق وكذلك بطريق الحلقات الدراسية التي تجري في المساجد والتكايا الإسلامية حسب النظام القديم ، والثانية بطريق الكليات العربية التي تجري تحت إشراف جامعة حكومية ومساعداتها المالية ، أو في الأقسام العربية ، التابعة لبعض الجامعات الحكومية .

ومن أشهر وأكبر المعاهد الإسلامية في الهند اليوم “دار العلوم” بمدينة ديوبيند في مقاطعة أوتربراديش وكذلك “دار العلوم” التابعة لندوة العلماء لمدينة لكهنو ، وهما تلعبان دورا هاما في نشر العلوم الإسلامية والعربية في مناطق شمالي الهند ، ومن المعاهد الإسلامية المعروفة في جنوبي الهند ، مدرسة الباقيات الصالحات ، وكلية “دار السلام” بمدراس ، وتعتبر منطقة “مليبار” في ولاية كيرالا إحدى المناطق ، المهتمة باللغة العربية في الهند وهي معروفة بالموطن الأول للمهاجرين العرب والأولين منذ القدم ، وفيها الآن كليات عربية عديدة ومدراس إسلامية أهلية .

ومن الجامعات الحكومية التي فيها أقسام خاصة للغة العربية والدراسات الإسلامية “جامعة عليكره الإسلامية” و”الجامعة العثمانية” بحيدر آباد ، وجامعات “مدراس وبومباي وبيهار وكلكتا وكيرالا ولكهنو ودلهي وبنجاب وكشمير .

وأما لغة التدريس والتفاهم في هذه المراكز للدراسات العربية والإسلامية فهي اللغات المحلية أو الانجليزية ، مع أن معظم المواد المقررة هي نفس المواد الدراسية المقررة في مناهج المعاهد العلمية في البلدان العربية تقريبا ، سواء في النحو والصرف والحديث والفقه والمنطق والفلسفة والأدب والبلاغة وغيره ، ولكن من بواعث الغبطة والسرور أن بعض الهيئات الإسلامية والدور العلمية في الهند تسعى الآن لتنفيذ برامج للمناهج الدراسية في الأقطار العربية ، هذا إلى جانب تعديل في الكتب المقررة للمواد الدراسية المذكورة ، حيث تحل الكتب الدراسية الحديثة محل الكتب القديمة المتداولة الآن .

وأن هناك وثبة مباركة إلى مستقبل مرموق للغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية في الهند ، بفضل تنفيذ المنهج الحديث المتبع في الجامعات والمعاهد في الدول العربية ، وبفضل الكتب الدراسية التي تزورها المكتبة العربية ، وكذلك بالاستفادة من مبعوثي جامعة الأزهر والجامعات الأخرى في المملكة العربية السعودية وغيرها إلى الهند ، أو الذين عادوا من تلك الجامعات بعد أن تسلحوا بقدر كاف من التمكن في اللغة العربية وهكذا يتسع نطاق مظاهر العلاقات الحضارية والثقافية والفكرية والاجتماعية ، إلى جانب الاقتصادية والسياسية ، بين الهند والعالم العربي يوما فيوما على أساس متين من الماضي وتطلع زاهر إلى مستقبل ميمون .