أخطر كتاب في الغزو الفكري للعالم العربي والإسلامي

أخطر كتاب في الغزو الفكري للعالم العربي والإسلامي

أساليب مقنعة لإثارة الأوهام والأضاليل في قلوب المثقفين الناشئين

الشرق الثلاثاء 15-سبتمبر-1987م

بغية الكشف عن دور الاستشراق والمستشرقين في التحدي العقدي والغزو الفكري للعالم العربي والإسلامي أود – في هذه العجالة – أن أزيح الستار عن أخطر كتاب صدر في هذا المضمار ، وأن لي به قصة مباشرة أثناء إقامتي بالقاهرة في رحاب الأزهر الشريف في سبعينيات هذا القرن .

في عام 1974م قد أحالت المراقبة العامة للبحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف بالقاهرة إىل كتابا باللغة الانجليزية لفحصه وكتابه تقرير عنه ، وعنوان الكتاب “دراسات في تاريخ الإسلام ونظمه لمستشرق اسمه :”أس. دي. جويتين” وطبعت الطبعة الثانية منه عام 1968م في “ليدن – هولندا”.

ونظرا لمكانة الجهة التي أحالت هذا الكتاب إلي لفحصه وكتابة تقرير عنه ، أدركت خطورة المسؤولية من الناحيتين الدينية والعلمية ، وقمت بقراءته مستوعبا أبوابه ومتعمقا في خفاياه وخباياه فوجدته من أخطر المؤلفات التي تمس كيان الدين الإسلامي وتصيبه في الصميم نظرا للأفكار والآراء التي قدمها المؤلف في شكل علمي حديث وبطريقة يراد بها إقناع الباحثين الجامعيين الدارسين الناشئين – كما نص على هذا الهدف في مقدمته – إذ يقول المؤلف في المقدمة :”إن هذا الكتاب مجموعة من البحوث والدراسات التي استغرقت أربعين عاما عن التاريخ الإسلامي وتطوراته ونظمه ، وقد نشر فعلا بعض منها في لغات مختلفة بينما نشر بعضها الآن ولأول مرة في هذا الكتاب .. وأنه يهدف من ورائه أن يكون مادة للتدريس في الجامعات ونموذجا لمنهج البحث العلمي للطلبة الدارسين على حد زعمه .

بدأ المؤلف الكتاب بسرد الأسئل الآتية :

“هل الإسلام تنزيل أساسي – كما يدعيه الإسلام بنفسه – ويؤيد الديانتين التوحيديتين السابقتين ، أم هو مجرد نسخة أخرى مأخوذة من الديانة المسيحية كما ادعى بعد دعاة المسيحية الأولين ؟ أو هو نسخة معربة لليهودية كما اعتقد بذلك بعض علماء القرون الوسطى ؟ وقد تردد هذان الرأيان في البحوث العلمية والتاريخية في العصر الحديث ، وهل الإسلام مجرد عقيدة دينية ؟ أو هو كيان سياسي أسس دولة وأقام امبراطورية هائلة وأن الوحدة الإسلامية قد أصبحت شعارا سياسيا في عصرنا الحاضر” (ص 3 من الكتاب المذكور) .

أما النتيجة النهائية التي يصل إليها القارئ ، كما أراد المؤلف من هذا الكتاب ، فهي :أن دعاة اليهودية والمسيحية كانوا منتشرين في أنحاء جزيرة العرب لنشر التوحيد بين المشركين العرب ، وكان عليهم أن يترجموا آيات من التوراة والإنجيل إلى اللغة العربية ، وكذلك نشروا بعض المقتسبات منها في صحائف مكتوبة ، ولما أدركوا أن كل هذا لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة إلى تحويل المشركين العرب إلى اليهودية والمسيحية ، قرر جماعة من دعاة اليهودية والمسيحية المنتشرين في جزيرة العرب ، أن أحسن وسيلة لنشر رسالة التوحيد بين الأمة العربية هو أن يقوم بهذه المهمة دعاة من بينهم وبلغتهم الخاصة مباشرة.

ويستدل الكتاب على كل هذه الأضاليل ببعض الوثائق التاريخية المزعومة وباستشهادات مضللة من آيات القرآن نفسها بالتأويل والتخريف ثم يستطرد زعمه قائلا :”ولما انتشرت دعوة التوحيد بين العرب وأصبح لمحمد ومجتمعه كيان خاص قوي ، أعلن انفصاله عن اليهودية والمسيحية وقيام دين خاص وإنشاء دولة خاصة باسم الإسلام ، وهكذا ينفي الكتاب نبوة محمد ونزول القرآن من عند الله رتبه أحبار اليهود والنصارى لنشر تعاليم اليهودية والمسيحية وأن القرآن نسخة معربة مقتبسة من التوراة والإنجيل .

وبعد أن كان تركيزه في أبواب القسم الأول من الكتاب على التشكيك في العقائد الإسلامية وزعزعة دعائمها ركز دهاءه وخبثه في أبواب القسم الثاني على الحضارة الإسلامية لإثبات أن الحضارة الإسلامية تكونت من عناصر الحضارة الاغريقية ، بعد أن ترجمت علوم اليونان إلى العربية فقال (بكل خبث ودهاء) : “إن الانكماش والتضعض والضعف الذي اعتراه (الإسلام) دليل على أنه من ابتداع النفس البشرية ، وها هو الآن لا يستطيع أن يستوعب الحضارة الحديثة ، ولكن الحضارة الحديثة اليوم تلتهم الإسلام وتجبره على الاندماج فيها ” (نشر التقرير عن هذا الكتاب مذيلا بتعقيب موجز في كتابي) “النبوة المحمدية ومفتريات المستشرقين .

وهذا نموذج موجز لدور المستشرقين في الحملات المخططة تخطيطا دقيقا على الإسلام ومعتقداته ، فالقضية في حاجة إلى مواجهة هذه الحملات بخطط تعتمد على المنهج العلمي والدراسة الواسعة .