آداب الصائم في الإفطار والسحور

الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأحد 25-مايو-1986 م

لقد ذكر العلماء في معرض الكلام عن آداب الصيام ومنازل الصائمين والسر الكامن في وصف غاية فريضة الصيام بقوله تعالى :”لعلكم تتقون” ذكروا أن المحرمات والمخالفات القولية والفعلية تقع عموما بالجوارح السبع للإنسان وهي : اللسان والعين والآذان والبطن والفرج واليد والرجل عندما يسترسل أيا منها في ارتكاب المعاصي والذنوب ، وأن التقوى الخالص الصحيح تتحقق بصيانة هذه الجوارح السبع ، وإنما تتحقق هذه الصيانة بكامل صورتها بالصيام السليم الذي هو الكف عن المفطرات المباحة بصرف النظر عن البعد عن المحرمات والمحظورات القولية والفعلية ، ثم قالوا أن هناك سرا كامنا وصلة وثيقة بين هذه الجوارح السبع ذات الصلة بالمعاصي والمحرمات وبين وجود سبعة أبواب لجهنم كأنه إشارة إلى أن أحدا لا يستحق دخول جهنم من أحد أبوابها السبعة إلا بعصيانه بواحدة من هذه الجوارح السبع فإذا اتقى الصائم بصيامه السليم استرسال تلك الأعضاء السبعة في المخالفات وكفها عن المحرمات فإنه يتقي به دخول جهنم من سبعة أبوابها ، ولذا قال الشاعر الحكيم في فضل الصيام في صيانة جوارح صاحبه من المحرمات والمعاصي قولا وفعلا :”إذا ما المرء صام عن الخطايا فكل شهوره شهر الصيام ” .

أحاديث نبوية في الصيام

وتأكيدا وتوضيحا لهذه المعاني الجليلة الكامنة في الصيام الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موصيا أمته بالصيام :”إنه لا مثيل له وأنه جنة يقي صاحبه من النار” (رواه ابن خزيمة في صحيحه) ، وقال المحدثون إن المراد بالجنة هو الوقاية من النار لأن الصوم يخمد جذوة النفس الأمارة ويقمع الوسواس من الشيطان الرجيم وذاك هو الوقاية من النار كما أشار إليه القرآن : “لعلكم تتقون” .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم :”إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته” ، وقال صلى الله عليه وسلم :”رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع” (أخرجه ابن ماجه) ، وفي حديث أخرجه الحكم وأبي حبان :”ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث” ، وهكذا نرى في الإرشادات النبوية أن مجرد الكف عن المفطرات المادية مثل الأكل والشرب لا يؤدي إلى الهدف المنشود والغاية القصوى من الصيام بل ينبغي له صيانة جميع جوارحه من المخالفات القولية والفعلية إلى جانب صوم القلب عن الاهتمام والالتفات إلى أي شيء لا يرضى الله به وعليه أيضا شغل النفس بذكر الله تعالى وطاعته في جميع الحالات .

من آداب الإفطار

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل الفطر وحث الناس على التعجيل به فقال :” لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” (متفق عليه) ، وروى عن أنس رضي الله عنه :”أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي المغرب جتى يفطر ولو على شربة ماء” (أخرجه الحاكم والبيهقي) ، وفي رواية لأبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه :”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قيل أن يصلي فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ، وكان يفطر على ثلاث تمرات وهو الأكمل ، وقال الإمام الشافعي في كتابة الشهير “الأم” : تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تأخير إلا لمن تعمد ذلك ورأى الفضل فيه.

ويجب التحقيق من الغروب لدخول وقت الإفطار ، وكذلك يستحب أن يكون على تمرات وترا فإن لم يجد فتمرات وترا فإن لم يجد حسا حسوات من ماء ثم يقول :”اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى” .

وجاء في رواية أخرى : “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم” (أخرجه الطبراني) .

الدعاء المسنون لمن أفطر عند غيره

ويسن لم تناول طعام الفطور عند غيره أن يدعو له بما جاء في الحديث النبوي عن عبد الله الزبير رضي الله عنه قال : أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال :”أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة” (رواه ابن ماجه) .

وأما الحكمة في استحباب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب فهي اطمأنان القلب في الصلاة وانقطاعه عن الشواغل والتطلع إلى الإفطار ، وذلك إذا كانت نفسه تواقة إلى الطعام فيشتغل القلب به ويذهب كمال الخشوع ، والأفضل أن يتناول شيئا من التمرات أو مذقة من لبن ويترك الطعام الرئيسي إلى ما بعد صلاة المغرب ، وروى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”وإذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم” (متفق عليه) وفي هذا الإرشاد النبوي تحذير عن الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به وذهاب الخشوع الكامل ، وهذا إذا لم يكن هناك الخوف من فوات وقت الصلاة المكتوبة أو كان متأكدا من أنه غير جائع يتوق إلى الطعام ولا يتأثر قلبه بتأخير ولا يتطلع إلى طعامه إلا بعد إكمال الصلاة بتمام الخشوع والتركيز الذهني .

من آداب السحور

إن تناول السحور سنة مؤكدة وفيه أسوة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله ومن الأحاديث الواردة في الترغيب فيه وبيان فضلة وميزته ما رواه البخاري ومسلم رضي الله عنهما في صحيحهما :”أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور” ، ثم قال :”تسحروا فإن السحور بركة” (متفق عليه) .

وقد وردت عدة أحاديث وآثار الصحابة والسلف الصالح في الترغيب في السحور ومن البركة التي تترتب عليه الاستيقاظ في وقت السحور والذكر والدعاء وفي ذلك الوقت المبارك ، وهو من الأوقات التي تستجاب فيها الدعوات وتنزل فيها البركات وملائكة الرحمة ، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء” .

يمتد وقت السحور إلى طلوع الفجر الصادق حيث يجب الإمساك عن كل مفطر ، وهناك فجران في الاصطلاح الفلكي وهما : الفجر الصادق والفجر الكاذب وأن الفجر الكاذب يسبق الفجر الصادق فلا يحين به وقت صلاة الصبح وإنما يحين مع طلوع الفجر الصادق ، ويطلق على الفجر الكاذب : الفجر المستطيل ، وعلى الفجر الصادق : الفجر المستطير ، وأن البياض الذي يظهر في السماء شرقا مستطلا كذنب الذئب فإنه هو الفجر الكاذب وأما الفجر الصادق فهو البياض المنتشر في الأفق معترضا في جانب السماء من جهة الشرق ، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير” (متفق عليه) ، ومعناه : لا يمنعكم من السحور آذان بلال فإنه كان يؤذن بليل ، ولا يمنعكم البياض الذي يظهر في السماء وشرقا مستطيلا ، ويفهم من هذا استحباب تأخير السحور إلى قبيل ظهور الفجر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور” (رواه الإمام أحمد) .

وروى عن أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال :”تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت : كم كان قدر ما بينهما ؟ قال : قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية” (متفق عليه) ومن فوائد تأخير السحور أيضا إدراك صلاة الفجر في أول وقتها حيث تشهدها ملائكة الليل والنهار والاستغفار عند الإسحار وكذلك في الخروج إلى صلاة الفجر وأدائها جماعة في المسجد القريب رياضة للجهاز الهضمي بعد تناول الطعام مباشرة وهذا هو الواضح من الحديث السابق لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام كانوا يقومون لصلاة الفجر عقب تناول السحور قبل النوم ، فلا مانع من الأكل لآخر دقيقة قبل الفجر بشرط أن يبقي في فمه أثر الطعام في فمه وخلال أسنانه وقت دخول الفجر الصادق .