الخليج اليوم – قضايا إسلامية -1987 م
تناولنا في المقالين السابقين بعض الخصائص والميزات التي تمتاز بها اللغة العربية عن سائر لغات العالم وجوانب من الحكم والأسرار التي تكمن في اختيارها رب العباد وعاء لكتابه الخالد ، وجعلها لزاما على الناس في الصلوات والأدعية وسائر العبادات وربطها بإعجاز القرآن إلى الأبد ، وتطرقنا كذلك باختصار إلى الدور الذي لعبته قرونا عديدة في حفظ العلوم والمعارف الإنسانية كلها ونشرها بين الشعوب حتى صارت الينابيع الفياضة التي يغترف العالم الإنساني أصول الحضارة الإنسانية وقواعد النهضة العلمية ، ومبادئ القيم الأخلاقية .
وعاء القرآن والعلوم الإسلامية
وأن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية لما فيها من معان سامية ومفاهيم أصلية وإذا قدمت معاني القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية مترجمة إلى اللغات الأجنبية فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية في مقدمة الوسائل الفعالة التي تساعد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية لأنها تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم كما فيها روح الألفة والمودة والأخوة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق ومنح الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينهم في أنحاء الأرض بحيث يسعى كل مسلم لأن يقرأها ويفهمها بل ويتحدث بها وأنها أيضا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية .
ومن هنا يمكن أن نقول إن اللغة العربية تربط بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وان إعجاز القرآن منوط باللغة العربية وان اللغة العربية بطاقاتها وتراثها ، لجديرة بأن تكون وسيلة للتفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان ، وعونا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعتها ، وأن الوحدة الفكرية بين المسلمين تلعب دورا هاما في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة التي يمر بها العالم العرب والإسلامي .
ويمكن تلخيص أهمية نشر اللغة العربية في البلدان الاسيوية والأفريقية والأوربية والأمريكية في النقاط التالية :
1 – ان هناك خطة خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم جعل اللغة العربية الذي يعتصمون به جميعا ، فحينئذ يسهل تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية ، عن طريق كتب ومنشورات ومطبوعات عن الإسلام بغير اللغة العربية يراد بها القضاء على الإسلام معنويا وفكريا بتشويه تعاليمه وبث السموم الفكرية بين أتباعه .
2 – إن اللغة العربية تلعب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم يساعدهم على نفسهم دينهم وتمسكهم بطاقتهم الروحية .
3 – إنها تساعدهم على استعمالها في التفاهم المتبادل فيما بينهم حتى يتيسر إيجاد تجاوب مشترك يمكنهم من مقاومة التخريب الفكري التي تمارسه الجهات المناوءة لتشويه تعاليم الإسلام الحقة وتقطيع ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي .
4 – إن اللغة العربية هي وعاء القرآن الكريم ومركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن والمنبع الأصلي للعلوم الإسلامية كلها كما أنها تساعد على توطيد ركن التعارف والتفاهم بين أبناء العالم العربي الناهض وبين أبناء البلدان غير الناطقة بها .
ونظرا لكون اللغة العربية الفصحى هي الوعاء الحقيقي للقرآن والسنة والعلوم الإسلامية فإن الدارسين للغة العربية من أجل فهم القرآن والعلوم الإسلامية ليواجهون مشكلات أسياسية كبرى وعديدة لو قدمنا إليهم اللهجات العامية أو الخليط منها ومن الفصحى ، وجدير بالذكر أن الفصحى ما زالت – ولا تزال – منهل العلوم والفنون والآداب على رغم الجهود الفاشلة لبعض الأشخاص المغرضين أو الجهات المغرضة ، لنشر العامية كتابة وقراءة والواقع إن اللغة العربية الفصحى ما تزال بفضل القرآن الكريم والعلوم الإسلامية والأدب العربي والإسلامي الرائع المدون في أمهات الكتب باللغة الفصحى القديمة والمعاصرة تنتظم مجموعة الخواص الأساسية للغة العربية فجميع قواعدها ثابتة ومحددة بحيث يسهل فهمها وتناولها والتعايش مع التدريبات اللغوية وفقا لقواعد الأعراب وقوانين نظم الكلام وأحكامه .
إن في اختيار الفصحى منطلقا لتعاليم اللغة العربية لغير الناطقين بها خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين فإن الفصحى هي دعامة كبرى بوحدة كيان العالم العربي والإسلامي وفيه أيضا خدمة لمقوماته الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية ، وأن اختيار الفصحى في جميع مراحل التعليم فيه إنصاف لواقع العالم العربي الذي ينتظم تحت إطار واحد في العقيدة والدين واللغة والثقافة والتاريخ والموقع الجغرافي والمصير بصفة عامة ، وأن في تقديم العامية والدارجة في التعليم أم العمل لنشرها ، مجانبة للصواب ومخالفة للواقع المحسوس .